للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كلية للشئون الدينية ولم يلتفت لأي أمر من أمور الدولة وأهمل الأعباء الملقاة على عاتقه كملك لمصر؛ فأخذت الأحوال في المستعمرات المصرية في جنوب غربي آسيا تزداد سوءًا وخاصة لأن الحيثيين كانوا قد كونوا مملكة قوية عملت على ضم الولايات السورية إلى ممتلكاتها ونجحت في إخضاعها لسلطانها الواحدة تلو الأخرى، كما أن مدنًا كثيرة في فينيقيا وفلسطين أخذت تستقل عن مصر ونشبت الحروب والمنازعات فيما بينها ولم يبق على الولاء لمصر إلا بعض الولايات الضعيفة التي أخذت تستنجد بفرعون وأرسلت له عديدًا من الرسائل ليعمل على حمايتها؛ ولكنه أصم أذنيه ولم يحرك ساكنًا.

ولا شك في أن طائفة من المخلصين وذوي المطامع وجدوا أن الظروف السائدة كانت تدعو إلى التخلص من هذا الملك سواء كان ذلك بغية إصلاح الأمور أو تحقيقًا لأهداف ومطامع خاصة؛ فقد دبر هؤلاء مؤامرات لاغتياله؛ ولكن حراسه كانوا دائمي اليقظة والحذر، ومن المرجح أن إخناتون قد أغضب الكثيرين من المحيطين به؛ بل ويحتمل أن زوجته نفرتيتي قد غضبت منه هي الأخرى حتى إنه في نهاية عهده عزف عن الاتصال بالناس وانتحى بعيدًا عنهم في قصره؛ بينما أقامت نفرتيتي في طرف آخر من المدينة، ولا يعرف حتى الآن كيف انتهت حياته؛ ولكن مما لا شك فيه أنه لم يترك وريثًا للعرش؛ إذ كانت كل ذريته من البنات. ويرى بعض المؤرخين أن الملكة "تي" والدة إخناتون قد ذهبت إليه في أخيتاتون وحاولت إقناعه بمهادنة كهنة آمون, ولكن من المرجح أن جهودها في هذا السبيل لم تكن موفقة كل التوفيق، وقبل وفاته بقليل أشرك معه في الحكم زوج كبرى بناته المدعو "سمنخ كارع".

ولئن كان عهد إخناتون يمثل فترة من فترات الضعف والفوضى؛ إلا أنه كان من جهة أخرى يمثل عهدًا من العهود التي تميزت بظهور نوع من الفن لم يعرف في مصر من قبل, وهو الذي اصطلح على تسميته باسم فن مطابقة الحقيقة

<<  <   >  >>