للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد استولى بعنخي على كثير من نفائس المدينة ثم تقدم شمالًا نحو منف التي احتمى بها تفنخت، وفي أثناء حصار بعنخي لها فر تفنخت قبل أن تسقط في يده، وما أن استولى عليها حتى ذهب إلى معبد عين شمس حيث اعترف به ملكًا على مصر، وهنا وفد عليه "أوسركون الثالث" الذي كان يحكم في بوبسطة وقدم له الخضوع والولاء، وبعدئذٍ توجه يعنخي إلى "أتريب"؛ حيث أقبل عليه أمراء الدلتا معلنين ولاءهم كذلك، وفي تلك الأثناء كانت تفنخت قد وصل في فراره إلى بلدة صغيرة مجهولة تعرف باسم "مسد"؛ فأرسل بعنخي قوة فتكت بحاميتها واضطر تفنخت أن يلجأ إلى جزيرة صغيرة في شمال الدلتا تحيط بها المستنقعات, ومن هناك أرسل الهدايا إلى بعنخي راجيًا منه أن يرسل من قبله رسولًا إلى معبد مجاور كي يقسم أمامه يمين الطاعة والولاء له، وقد تم ذلك فعلًا، وعندئذ قدم بقية الأمراء ولاءهم له أيضًا؛ فأصبح بعنخي حاكم مصر المطلق، أي: إن ملكه امتد من نباتا "أو أبعد منها قليلًا إلى الجنوب" إلى أقصى شمال الدلتا، ومعنى هذا أنه كان يحكم مملكة لا تقل عن الإمبراطورية المصرية في أوج عظمتها باستثناء الأجزاء الشمالية الشرقية في سورية وفلسطين.

وٍيدهشنا أن بعنخي لم يستمر طويلًا في مصر؛ بل عاد مسرعًا إلى نباتا وما زلنا نجهل الأسباب التي دعته إلى ذلك؛ إذ إن عودته السريعة جعلت بعض المؤرخين يشبهون حملته بمغامرة ليس لها غد إذ لم تكن ذات نتائج حاسمة، ومما هو جدير بالذكر أيضًا أن الفترة التي غزا فيها بعنخي مصر هي الفترة الوحيدة التي أمسك فيها تفنخت عن ادعاء حكم مصر؛ حيث يبدو أنه ما أن رجع بعنخي إلى عاصمة ملكه في النوبة إلا وعاد نفنخت إلى ادعاء حكمه لمصر بأكملها، وإن كنا نرجح أن ملكه لم يكن ليتجاوز "منف" جنوبًا؛ بل وكانت بقايا الأسرة الثالثة والعشرين تحكم في بوبسطة في نفس الوقت أيضًا، ويبين الجدول بالصفحة التالية كيف حكم مصر ملوك يمثلون أسرات مختلفة في نفس العصر.

<<  <   >  >>