للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل انتظموا في جماعات صغيرة يحكم كلًّا منها ملك ويتركزون حول مدن محصنة، تحميها أسوار وأبراج قوية تلجأ إليها تلك الجماعات عند مهاجمتها، وبعض هذه الجماعات كانت تحتل -إلى جانب أماكن استقرارها على الساحل- جزرًا صغيرة في مواجهتها, حتى إذا ما اشتد الهجوم عليها التجأت إلى تلك الجزر التي كانت محصنة هي الأخرى، أي أن هذه الجماعات كانت تتبع وسائل دفاع مزدوجة استطاعت بفضلها بعض مدنهم أن تقاوم طويلًا هجمات كثيرة تعرضت لها, ووقفت صامدة أمام الغزاة رغم حصارهم لها سنوات متتالية.

وكثيرًا ما كان يكثر التطاحن بين هذه المدن وتنشب بينها الحروب, ومع ذلك فإنها كثيرًا ما كانت تتحد أمام المهاجمين من الشعوب الأخرى، وقد تحصل إحداها على الزعامة وتتمتع بنوع من السيادة على الآخرين١؛ ولكن هذه الأحلاف كانت لا تستمر طويلًا وخاصة لأن بعض المدن كانت تحاول الانتفاع على حساب البعض الآخر.

وكان الفينيقيون أول أمة بحرية في التاريخ، أخذوا يجوبون البحار ويؤسسون الطرق البحرية بين الشرق والغرب وأنشئوا المستعمرات ونشروا حضاراتهم وحضارات غيرهم بين مختلف الجهات، وكانوا تجارًا نموذجيين ألفت الشعوب القديمة رؤية سفنهم؛ ولذا نجدها ممثلة في نقوش المصريين والأشوريين. ومن أهم ما قاموا به الدوران حول إفريقيا في عهد نخاو "ثاني ملوك الأسرة السادسة والعشرين المصرية"٢، كما ينسب إليهم أنهم وصلوا إلى بريطانيا وكانوا يتاجرون معها؛ إذ كانوا يحصلون منها على القصدير في نظير الخزف والملح والأواني النحاسية، وأهم المستعمرات التي أسسوها كانت في قبرص وصقلية وسردينيا وأسبانيا وأوتيكا "تونس" وقرطاجة وبلاد اليونان،


١ مثل الحلف الذي تكون بزعامة قادش أيام تحتمس الثالث، انظر ص١٦٦.
٢ انظر ص٢٢٨.

<<  <   >  >>