للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكانت قرطاجة أكثر هذه المستعمرات نجاحًا؛ فقد تطورت حتى أصبحت تنافس الوطن الأم في القرن الثامن قبل الميلاد، وكونت منذ القرن السادس ق. م إمبراطورية واسعة امتدت من حدود ليبيا إلى جبل طارق وشملت بعض جزر البحر المتوسط حتى نازعت روما السيادة على هذا البحر، وبلغ من تسلطها عليه أن تردد القول بأن الرومان لم يكونوا يستطيعون غسل أيديهم في مياهه دون إذن من قرطاجة، وتطورت الحرب بين روما وقرطاجة إلى أن دمرت هذه الأخيرة على يد الرومان, وأشعلوا فيها النيران لمدة سبعة عشر يومًا حتى أتت عليها في سنة ١٤٦ ق. م.

ويبدو أن الفينيقيين كانوا أول من استعمل الأبجدية الراقية١ التي لا شك في أنهم اقتبسوها من الكتابة المصرية, كما أنهم تأثروا بالمصريين في كثير من أمورهم كالآداب والعقائد وفن العمارة وعادات الفن وغير ذلك؛ إذ إن من المرجح أن النفوذ المصري كان سائدًا في الساحل الفينيقي من حوالي ٢٤٠٠-١٢٠٠ ق. م. وكانت أول مدينة تحتل مركزًا رئيسيًا في العلاقات المصرية الفينيقية هي جبيل "ببلوس" حيث كانت مصر تستورد منها خشب الأرز والخمور والزيوت في نظير الذهب والمصنوعات المعدنية وورق البردي، وقد دخلت سورية تحت سلطان فراعنة الدولة الحديثة على العموم؛ ولكنها خرجت عن سيادتها بعد ذلك.

ولم يكن التأثير الحضاري لبلاد النهرين على سورية أقل من التأثير المصري، وكان ملوك بلاد النهرين الأقوياء يحصلون على خشب الأرز من هذا الإقليم، كما حدث في عهد جوديا ملك لجش، بل ويحتمل أن سورية الشمالية خضعت لسرجون الأول ملك أكد وإلى نارام - سن "ثالث خلفائه حوالي ٢٢٣٨ ق. م."،


١ عثر في أوجاريت على ألواح طينية كتبت بهجائية مسمارية في لهجة كنعانية, وتتشابه في بعض موادها مع بعض نصوص الآداب العبرية, انظر أيضًا ص٢٨٢.

<<  <   >  >>