من ترجمتها إلى أصوات معبرة في اللغة، وقد حدث ذلك في مصر حينما تمكن المصري من رسم صور مصغرة ومختصرة للأشياء المادية والكائنات يمكن أن تعبر عن الصور الكاملة التي تدل على نفس هذه الأشياء والكائنات المعروفة مثل الأسلحة والنباتات والحيوانات والبشر بل والآلهة كذلك، ويمكن القول أيضًا بأن الظروف اقتضت ظهور الكتابة وتطورها حينما وجدت الرغبة لدى الناس للتعبير عما لا يمكن التعبير عنه بكيانه مثل الأعداد وأسماء الأشخاص والكائنات وغير ذلك, وأخذت في النمو كلما وجد أن الرسوم والمناظر في حاجة للتفسير، وقد ظل هذا الاتجاه طوال العصور الفرعونية؛ حيث ظل الفراعنة يدونون على المناظر التي يمثلونها ما يوضحها بعبارات مكتوبة، وهكذا حتى أصبح في الإمكان التعبير بالكتابة عن كل ما يرغب الإنسان التعبير عنه.
واللغة المصرية كانت تكتب في أول الأمر برموز تمثل كائنات أو أجزاءً من كائنات في صورة قريبة من الواقع, وقد أطلق عليها اليونانيون اسم الهيروغليفية أي: الكتابة المقدسة؛ وذلك لأنهم شاهدوها مدونة على جدران المعابد والنصب التذكارية المختلفة؛ فهي في الواقع كتابة إعلام أو كتابة زخرفية، وقد ظلت مستعملة في النصب المختلفة حتى نهاية العصور الفرعونية وإن كانت رموزها قد اختلفت في مدلولاتها أحيانًا، ولم تستعمل هذه الكتابة وحدها؛ بل صاحبتها منذ نشأتها تقريبًا كتابة أخرى مختصرة عنها عرفها اليونانيون باسم الهيراطيقية أي: الكتابة الكهنوتية نظرًا لأنهم اعتقدوا أن الكهنة وحدهم هم الذين كانوا يعرفونها، وربما كان سبب ذلك أن المدارس في مصر القديمة كانت عادة تلحق بالمعابد، ويرجع أقدم ما عثر عليه من نصوص كتبت بالهيراطيقية إلى عهد الأسرة الثانية تقريبًا. ولما تعددت مطالب الحياة وازداد نشاط التعامل بين الأفراد ظهرت كتابة ثالثة أشد اختصارًا هي الكتابة الديموطيقية "أي: الكتابة الشعبية".