للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى الجملة, فقد جمع قصي كل مفاخر العرب ومظاهر الشرف والسيادة والمجد فيها، من سقاية ورفادة وقيادة، وتولى كذلك أمر المشورة والسفارة والحكومة في الخصومات، وبذلك جمع قصي في يده كل السلطات الدينية والسياسية فكان زعميم العرب, ورئيسها الديني، وقائدها العسكري، وزعيم قريش سادة العرب ... وهكذا كانت مكة -وهي أهم مدن الحجاز- على نصيب كبير من الثقافة والحضارة والرقي السياسي والاجتماعي؛ لاشتغال أهلها بالتجارة وترددهم في رحلاتهم على الممالك المتحضرة كفارس والروم ومصر، وأصبح في مكة نوع من الحكومة المنظمة، وضع أساسه قصي في القرن الخامس الميلادي، إذ جدد بناء الكعبة، وابتنى -كما ذكرنا- دار الندوة؛ ليجتمع فيها الرؤساء فيتشاوروا ويعقدوا أنكحتهم وألويتهم، ويفصلوا في خصوماتهم ويختنوا غلمانهم.

توارث أمجاد قصي بعد وفاته:

وورث أبناء قصي هذه المناقب بعده إلى أن وصل الحكم إلى هاشم، ثم إلى عبد المطلب سنة ٥٢٠م، وكان الذي تولى بعد قصي هو ابنه عبد الدار، وبعد خصومات كثيرة بين سلالة قصي وزعت السلطات الدينية والسياسية في مكة على بطون قريش؛ منعا للتنازع والشحناء, وها هي ذي١:

١- السدانة: خدمة الكعبة وحجابتها، وبيد صاحبها مفتاح الكعبة، ولها المقام الأول عندهم، وكانت لبني عبد الله.

٢- السقاية: وهي سقي الحجاج بجلب الماء على الإبل من الآبار العذبة حتى بعثت زمزم، وكانت السقاية في بني هاشم.

٣- الرفادة: وهي ما كانوا يخرجون عنه من أموالهم؛ ليرفد به من ليس ذا سعة ولا مال، وكانت في بني نوفل، وقد سن هذه السنة قصي قائلا: يا معشر قريش, إنكم جيران الله وأهل بيته، والحجاج ضيوف الله وزوار


١ راجع بلوغ الأرب للألوسي, التمدن الإسلامي, محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية للخضري بك جـ١ ص٥٠ وما بعدها.

<<  <   >  >>