أشرنا فيما مضى إلى حكم العمالقة لمكة، وأنه كان طورا من أطوار التاريخ القديم لها، إلا أن التاريخ الموثوق به يبدأ من هجرة إبراهيم بإسماعيل -عليهما السلام- إلى مكة، وسنفصل الحديث في ذلك بقدر ما يتسع له المقام.
هجرة إبراهيم بإسماعيل إلى مكة:
يشير القرآن الكريم إلى أن إبراهيم هبط مكة بابنه إسماعيل -عليهما السلام- ثم بنيا الكعبة، وجعلت أفئدة الناس تهوي إليها.
وتدل الروايات -تفصيلا لهذا الحادث- على أن إبراهيم حينما وضع إسماعيل وأمه هاجر بمكة، وتركهما بهذا القفر لم يضعهما الله، إذ حدث ظمأ إسماعيل، فانطلقت أمه هاجر، حتى صعدت جبل الصفا لتنظر هل ترى شيئا فلم تر شيئا، فانحدرت إلى الوادي، فسمعت حتى أتت المروة، فاستشرفت لعلها ترى شيئا, فلم تر شيئا، فعلت ذلك سبع مرات، ثم عادت إلى إسماعيل وهو يدحض الحجر بقدميه، والماء يتفجر من الأرض، فجعلت تفحص الأرض بيدها عن الماء حتى لا يضيع في الرمال, وهي تقول: زم زم، فسميت لذلك زمزم.
وحومت الطير حول الماء، وكانت جرهم بوادٍ قريب من مكة، فلما رأت الطير قصدت نحوها، فوجدوا هاجر وابنها إسماعيل، فقالوا لها: لو شئت فكنا معك وآنسناك والماء لك، فقالت: نعم، فكانوا معها حتى شَبَّ إسماعيل وماتت هاجر، فتزوج إسماعيل فتاة منهم، وتعلم منهم العربية، وأنجب نسلا كثيرا هم العرب المستعربة.