يرى الزمخشري أن الهجاء مأخوذ من هجاء الحروف فهو تعديد للمعايب. فالمرأة تهجو زوجها هجاء قبيحا إذا ذمت صحبته وعددت عيوبه، وهو تفريع غريب. فالكلمة جاهلية قديمة، وهي بأن تكون سابقة للهجاء بمعنى تعديد حروف الكلمة أشبه. على أنه إن كان كل ما لحظ في نقلها هو التعديد, فلم يكون تعديد المفاخر والفضائل هجاء أيضا؟
الواقع أن في المادة معاني أخرى هي أقرب لأن تكون أصلا للمعنى الأدبي. ففي اللغة الهجا والهاجة: الضفدع, وهجو يومنا: اشتد حره. وفي اليائي من المادة: هجى البيت هجيا: انكشف، وهجيت عين البعير: غارت. ومما هو قريب من المادة: الهياج بمعنى الغضب والقتال والحرب، والتهوج بمعنى الحمق والطيش والتسرع، والهوجاء: الريح التي تقلع البيوت.
وقد يكون الهجاء بمعناه الأدبي مأخوذا من الضفدع, فهو قبيح الشكل بشع الصوت. وقد يكون مأخوذا من اشتداد الحر, ففيه معنى التنكيل والتعذيب. وقد يكون مأخوذا من الأصل اليائي, فهو يكشف عن سيئات المهجو١.
أما اشتقاق كلمة "الهجاء" في الإفرنجية، فإن أصل المادة "Satire" في اللاتينية، هو Satura Satira ويقصد بها حشو المشوي، ثم انتقل الاشتقاق إلى Satura المجازية وهي "الصحفة الممتلئة" التي تحوي مجموعة من الفواكه المختلطة, تقدم لواحد من الآلهة الريفية أو الجبلية.
١ أساس البلاغة, مادة "هجاء" و"الهجاء والهجاءون في الجاهلية" ص١٤.