للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومهما كان, فإن تفكير العربي في العصر الجاهلي لم يكن موسوما بالتفكير العلمي المبني على ربط المسببات بالأسباب ربطا محكما نتيجة للدراسة والبحث والتمحيص، وإنما كان في أغلبه يعتمد على البديهة وحدّة الخاطر وكثرة التجارب, وعلى التقليد والكهانة والعرافة والعيافة وزجر الطير، وما إلى ذلك من مقومات التفكير في المجتمعات القديمة البعيدة عن مناهل العلم والمعرفة.

ومن مظاهر هذه العقلية، ما ورد في سيرة ابن هشام من أن حيا من ثقيف "فزعوا للرمي بالنجوم, فجاءوا إلى رجل منهم يقال له: عمرو بن أمية أحد بني علاج، وكان أدهى العرب وأمكرها رأيا، فقالوا له: يا عمرو، ألم تر ما حدث في السماء من القذف بهذه النجوم؟ قال: بلى، فانظروا إن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها في البر والبحر، وتعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس في معايشهم هي التي يرمى بها, فهو والله طي الدنيا وهلاك هذا الخلق الذي فيها، وإن كانت نجوما غيرها وهي ثابتة على حالها, فهذا لأمر أراد الله بهذا الخلق".

فهذه الدقة العقلية لا يصح أن نجعلها أثرا لدراسة أو ثقافة، إنما هي أثر لنضج عقل العربي المتأثر بحياة البادية والصحراء، والذي تكثر تجاربه فيها.

ونحن مع ذلك لا نوافق الذين يرمون العقل العربي بالبلادة والضعف وانعدام النظرة الشاملة إلى العالم١.

ولا شك أن البيئة الطبيعية والاجتماعية كان لها أثرها في حياة عرب الحجاز في العصر الجاهلي، هذه البيئة التي استمد العرب منها ثقافتهم في العصر الجاهلي.


١ راجع ص٢٩ وما بعدها من كتاب فجر الإسلام لأحمد أمين.

<<  <   >  >>