للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لامية العرب بين الشنفرى وخلف الأحمر: فأما لامية الشنفرى فقصيدة مشهورة تسمى لامية العرب, وقد قال أبو علي القالي١: كان أبو محرز -وهي كنية خلف بن حيان الراوية الشهير بخلف الأحمر- أعلم الناس بالشعر واللغة وأشعر الناس على مذاهب العرب. حدثني أبو بكر بن دريد: أن القصيدة المنسوبة إلى الشنفرى التي أولها:

أقيموا بني أمي صدور مطيكم ... فإني إلى قوم سواكم لأميل

له، وهي من المقدمات في الحسن والفصاحة والطول، فكان أقدر الناس على قافية.

ومن العجيب أن أبا بكر بن دريد على تفضيله خلفا على الأصمعي وجعله الأول بحرا والثاني ثمادا، قد ذكر أن خلفا هو قائل هذه اللامية، ولكن مما يضعف هذا الاتهام ويرجح أن القصيدة للشنفرى، أن ابن سلام ينص على علم خلف بالشعر، وينص كذلك على توثيقه في الرواية. ثم لا يكتفي بأن يجعل ذلك رأيا خاصا به، وإنما يذكر أن هذا الرأي هو إجماع علماء البصرة، قال ابن سلام: "أجمع أصحابنا أنه كان أفرس الناس ببيت شعر، وأصدقهم لسانا، كنا لا نبالي إذا أخذنا عنه خبرا أو أنشدنا شعرا ألا نسمعه من صاحبه"، ولرأي ابن سلام قيمة خاصة, إذ إن ابن سلام هو من نعرف شكا في بعض الشعر الجاهلي، ونصا على بعض المنحول منه، والحق أن ابن سلام لم يكتف بكل هذا الذي قاله في توثيق خلف، وإنما أضاف إليه أقوالا أخرى ذهب فيها إلى أن خلفا كان ناقدا للشعر الجاهلي، يميز صحيحه من فاسده, وينص على المنحول منه، ويردد كثيرا مما كان يروى في زمنه. ومن أجل هذا جاءه خلاد بن يزيد الباهلي, وكان خلاد حسن العلم بالشعر يرويه ويقوله, فقال له: بأي٢ شيء تردد هذه الأشعار التي تروي؟ فقال له خلف: هل فيها ما تعلم أنت أنه مصنوع لا خير فيه؟ قال: نعم. قال: أفتعلم في الناس من هو أعلم بالشعر منك؟ قال: نعم. قال: فلا تنكر أن يعلموا من ذلك أكثر مما تعلمه أنت.


١ الأمالي ١/ ١٥٦.
٢ طبقات الشعراء ٨.

<<  <   >  >>