بنشر هذه المخطوطة فيما يتعلق بديوان النابغة فحسب، سالكا سبيل الاختصار. فالقصائد التي سبق له نشرها أو نشرها ابن الورد، أشار إليها دون أن يذكرها، ومعلقا على ترتيب الأبيات واختلافها في المخطوطات العديدة. أما القصائد التي لم تنشر من قبل, فقد أوردها بأكملها مع المقدمات التي تشرح ظروف القطعة وأسباب قولها، وكذلك الزيادات التي اختصت بها مخطوطة "ساوة" في القصائد التي رواها الأصمعي أو الطوسي، أو رواها ابن الورد في ملحقه.
وقد نشر الأب لويس شيخو في شعراء النصرانية ديوان النابغة، كما رواه الأعلم الشنتمري، وأضاف إليه ملحق ابن الورد.
ومن الجدير بالملاحظة أن ثمة أربعا وعشرين قصيدة قد أثبتتها جميع المخطوطات وتلك القصائد هي التي رواها الأصمعي، ثم سبع قصائد أخرى أثبتها مخطوطة "بطرسبورج" ومخطوطة "ساوة"، وهي ما رواه الطوسي عن ابن الأعرابي، وبذلك تكون القصائد التي يرى الرواة الثقات أنها للنابغة الذبياني -بغض النظر عن اختلاف الروايات في بعض الكلمات، وبعض الزيادات- إحدى وثلاثين قصيدة.
وإذا عرفت أن الأصمعي كان متزمتا يضيق ولا يعتمد إلا أصح اللغات, ويلح في دفع ما سواه، ولا يفسر من القرآن ولا من اللغة شيئا له نظير واشتقاق في القرآن، وأنه كان يتحرج في الحديث، ولا ينشد من الشعر ما كان فيه ذكر الأنواء، ولا يفسره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا ذكرت النجوم فأمسكوا"، وأنه لم ينشد أو يفسر شعرا فيه هجاء، أدركت أي راوية كان الأصمعي في تثبته وتحقيقه وتحرجه.
ولقد تعقب الأزهري في كتابه التهذيب رواة الشعر واللغة, فاحصا منقبا مدققا ملتمسا مواطن الثقة فيما يرويه عنهم منبها على الكلام المصحف، وبعد أن أنعم النظر والتثبت قال: إنه وجد معظم ما روى لابن الأعرابي، وأبي عمرو الشيباني، وأبي زيد، وأبي عبيدة، والأصمعي, معروفا في الكتب التي رواها الثقات عنهم، والنوادر المخطوطة لهم ... فخص هؤلاء بالثقة دون سائر الرواة, ووصفهم بالإتقان والتبريز.
وكان الأصمعي أعرف الرواة بالصحيح والمنحول من الشعر، ولم يكن شاعرا حتى يتزيد ويختلق كما فعل غيره؛ ولذا كان ما رواه عن النابغة أصح شعر يروى له١.