٢- وربما اعترض علينا بعض القراء بأننا في عصر القوميات، الذي انتفضت فيه القوميات، وانبعثت من مرقدها. وهذه القوميات تحتم علينا دراسة الشعب العربي جملة، وآدابه جملة كذلك، دون النظر إلى أقاليمه وبيئاته.
ونحن نقول لهؤلاء المعترضين: إن دراسة آداب الشعب العربي جملة لا تتأتى إلا عن طريق دراسة آداب أقاليمه وبيئاته دراسة نقد، واستيعاب، وتحليل، بحيث يتبين منها الخصائص والسمات، وتستمد الأحكام الأدبية الصادقة التي لا حيف فيها على الحقيقة.
ثم إن الحجاز كان البوتقة الحيوية التي انصهرت فيها الخصائص الأساسية للأمة العربية، وتخلصت فيها من الشوائب والمثالب، حتى غدا جوهرها صافيا نقيا ... انصهرت في الحجاز العقائد, واللهجات، والتقاليد، والعنعنات، والسجايا والأخلاق، فصفاها من أوشابها وأدرانها، حتى برزت تلك العناصر الفعالة، التي استندت إليها القومية العربية الإسلامية في نشوئها وتكوينها ومراحل تطورها، هذه القومية العظيمة التي وثبت اليوم وثبتها القوية الجبارة!
أفلا يجدر بنا -وهذا هو دور الحجاز منذ القدم- أن ندرس حياته وخصائصه، وشخصيته الأدبية والفنية، وجميع مقوماته السامية؟!
وإذا كانت اللغة هي إحدى عناصر القومية، أفليس من الواجب أن ندرس إلى أي حد، أثر الحجاز عامة، ولهجة قريش خاصة، في تهذيب اللغة العربية، وترقيتها، وتوحيدها، حتى أصبحت اللسان القومي للأمة العربية جمعاء؟!
ثم ما هو موقف الحجازيين من العقيدة، ووحدة الأماني المشتركة, والتبادل التجاري، ونمو الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وجميع العوامل التي تعتبر عناصر هامة للقومية العربية؟!
ما هو موقفهم من ذلك كله؟ لنرى أي أثر تركه الحجازيون في تخليص العقائد من الخرافات والأباطيل؛ لأن هذه التنقية وسيلة هامة من وسائل