للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن رجب -رحمه الله-: "ومما أنكره أئمة السلف الجدال والخصام والمراء في مسائل الحلال والحرام أيضاً، ولم يكن ذلك طريق أئمة الإسلام، وإنما أحدث ذلك بعدهم كما أحدثه فقهاء العراقيين.

وقد أنكر ذلك السلف وورد في الحديث المرفوع في السنن: " ما ضل قوم بعد هدى إلا أوتوا الجدال" (١) ثم قرأ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨)} [الزخرف، آية: ٥٨].

وقال مالك: أدركت أهل هذه البلدة وإنهم ليكرهون هذا الإكثار الذي فيه الناس اليوم، يريد المسائل (٢).

وكان يكره الجواب في كثرة المسائل، ويقول: قال الله -عز وجل-: {سَبِيلًا (٨٤) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ} [الإسراء: ٨٥] فلم يأته في ذلك جواب.

وقيل له: الرجل يكون عالماً بالسنن يجادل عنها؟ قال: لا، ولكن يُخبر بالسنة، فإن قُبل منه وإلا سكت.

وقال: المراء في العلم يُقسي القلب، ويُورث الطعن، وكان يقول في المسائل التي يُسأل عنها كثيراً: لا أدري، وكان الإمام أحمد يسلك سبيله في ذلك" (٣).

[سابعاً: ذم البدع والأهواء]

ومن أبرز سمات منهج السلف -رحمهم الله-: محاربتهم للبدع في الدين ونبذها والتحذير منها لمناقضتها لأحد شرطي العبادة، وهو المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم فقد روي عن عبدالله بن مسعود رضى الله عنه أنه كان يقول: " إياكم والتنطع والتعمق والبدع، وعليكم بالعتيق" (٤)، وكان يقول: " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، وكل بدعة ضلالة" (٥).

وقال الإمام مالك -رحمه الله-: " من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، وفي رواية: من أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها، فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة، لأن الله تعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣] " (٦).

ومن سماتهم أيضاً هجر أهل الأهواء والبدع والتشديد في النهي عن مجالستهم أو سماع كلامهم أو عرض شبههم، وذلك إنكاراً للمنكر وتأديباً وزجراً لهم حتى يقلعوا عن بدعتهم، ومحاصرة لآرائهم وشبهاتهم، وصيانة


(١) سنن الترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب: ومن سورة الزخرف رقم (٣٢٥٣).
(٢) الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي: ٢/ ١٥.
(٣) فضل علم السلف على الخلف: ٣٠ - ٣٢.
(٤) سنن الدارمي، باب: من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع: ٦٦.
(٥) الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة، لابن بطه العكبري: ١/ ٣٢٧.
(٦) الاعتصام: ١/ ٦٢.

<<  <   >  >>