للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ثانياً: سلامة الصدر]

فالسلف -رحمهم الله تعالى- سالمة صدورهم من الغل والحقد على المخالف؛ وإن كانوا مع ذلك يقومون بما توجبه عليهم الشريعة من الولاء والبراء، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢)} [النور: ٢٢]، ويقول في وصف عباده المتقين: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤)} [آل عمران: الآية ١٣٤].

يقول الإمام أحمد - رحمه الله-: " كل من ذكرني ففي حلّ إلا مبتدعاً، وقد جعلت أبا إسحاق -يعني المعتصم- في حل، ورأيت الله يقول: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضى الله عنه بالعفو في قصة مسطح، ثم قال: وما ينفعك أن يعذب الله أخاك المسلم في سبيله؟ " (١).

يقول ابن القيم - رحمه الله-: " جئت يوماً مبشراً له -أي ابن تيمية -رحمه الله- - بموت أكبر أعدائه، وأشدهم عداوة وأذى له، فنهرني، وتنكر لي، واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم، وقال إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، فسروا به ودعوا له" (٢).

ولما مرض ابن تيمية -رحمه الله- مرض الوفاة، دخل عليه أحدهم، فاعتذر له، والتمس منه أن يحلله، فأجاب الشيخ-رحمه الله-: " إني قد أحللتك وجميع من عاداني وهو لا يعلم أني على الحق، وقال ما معناه: إني قد أحللت السلطان الملك الناصر من حبسه إياي لكونه فعل ذلك مقلداً غيره معذوراً، ولم يفعله لحظ نفسه، بل لِمَا بلغه مما ظنه حقاً من مبلِّغه، والله يعلم أنه بخلافه ... وقد أحللتُ كلّ واحدٍ مما كان بيني وبينه، إلا من كان عدواً لله ورسوله " (٣).


(١) الحجة في بيان المحجة: ٢/ ٥٢٨.
(٢) مدارج السالكين: ٢/ ٣٤٥.
(٣) الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للحافظ عمر البزار: ٧٤ - ٧٥.

<<  <   >  >>