للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الإمام ابن القيم - بعد أن ذكر كلام أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه: " .. وهذا من كمال عمر رضى الله عنه، فإنه إذا لم يعرف الجاهلية وحكمها، وهو كل ما خالف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه من الجاهلية، فإنها منسوبة إلى الجهل، وكل ما خالف الرسول فهو من الجهل، فمن لم يعرف سبيل المجرمين ولم تستبن له أوشك أن يظن في بعض سبيلهم أنها من سبيل المؤمنين، كما وقع في هذه الأمة من أمور كثيرة في باب الاعتقاد والعلم والعمل، هي من سبيل المجرمين والكفار وأعداء الرسل أدخلها من لم يعرف أنها من سبيلهم في سبيل المؤمنين، ودعا إليها، وكفر من خالفها، واستحل منه ما حرمه الله ورسوله، كما وقع لأكثر أهل البدع من الجهمية والقدرية والخوارج والروافض وأشباههم، ممن ابتدع بدعة ودعا إليها وكفر من خالفها" (١).

وقد ذكر الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- في مقدمة شرحه للقصيدة التائية في حل المشكلة القدرية لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن في الرد على المخالف كشفاً لشبهاته وشكوكه، فقال: " وهذا النظم قد أتى فيه الشيخ بالعجب العجاب، وبين الحق الصريح، وكشف الشكوك والشبهات، التي طالما خالطت قلوب أذكياء العلماء، وحيرت كثير من أهل العلم الفضلاء" (٢).

[ثالثاً: خطورة انتشار العقائد الباطلة على المجتمع المسلم]

فإن انتشار العقائد الباطلة يؤدي إلى التفرق والاختلاف، وتترب عليه الآثار السيئة على الأمة في جميع أمورها العقدية والاجتماعية والأخلاقية وغيرها؛ ولذلك حرص السلف -رحمهم الله- على رد تلك العقائد الباطلة لجمع كلمة المسلمين وردهم لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

قال الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- في مقال له بعنوان: "كيف نحارب الغزو الثقافي الغربي والشرقي"، قال: " إن أخطر ما تواجهه المجتمعات الإسلامية في الوقت الحاضر هو ما يسمى بالغزو الثقافي بأسلحته المتنوعة، من كتب وإذاعات وصحف ومجلات وغير ذلك من الأسلحة الأخرى" (٣).

ومن تلك الآثار التي تترتب على انتشار العقائد الباطلة هو الاختلاف والفرقة المذمومة، فالبدعة طريق سالك إلى الفرقة والاختلاف المذمومين، وقد ثبت ذم هذا الاختلاف في نصوص كثيرة منها قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٠٥)} [آل عمران: ١٠٥]، قال السيوطي -رحمه الله-: " أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم أنما هلك من كان قبلكم بالمراء والخصومات في دين الله" (٤).


(١) الفوائد: ٢٥٧ - ٢٥٨.
(٢) الدرة البهية شرح العقيدة التائية في حل المشكلة القدرية، للشيخ عبد الرحمن السعدي: ١١.
(٣) مجلة البحوث الإسلامية، العدد ١٧ ص ٧، والعدد ٤٠ ص ١٣٩.
(٤) الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للسيوطي: ٢/ ٦٢.

<<  <   >  >>