للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يفهم من هذا أن السلف يهملون العقل ويقللون من أهميته ويعطلون وظيفته، بل إنهم -رحمهم الله- يحترمون العقل ويقدرونه قدره ويعرفون له قيمته وفضله، لاعتقادهم بأن فهم نصوص الكتاب والسنة يحتاج إلى قلب يتدبر وعقل يفكر، ... إلا أنهم يرفضون الغلو في تقدير العقل وتمجيده، كما يرفضون إعماله في غير مجاله الذي حدده له الشارع الحكيم وإقحامه فيما ليس في مقدوره واستطاعته أن يحكم فيه (١).

[ثالثا: الاستدلال باللغة]

وقد اهتم السلف اهتماماً بالغاً بكتب اللغة: ومن ذلك ما رواه ابن بطة في الإبانة بسنده عن أحد طلاب الإمام أحمد - رحمه الله- قال: " طلب مني أبو عبد الله -وهو في السجن- كتاب حمزة في العربية، فدفعته إليه، فنظر فيه قبل أن يمتحن" (٢). وقال الإمام أحمد - رحمه الله-: " كتبت من العربية أكثر مما كتب أبو عمر الشيباني" (٣).

وقد ظهرت بجلاء استدلالات أهل السنة والجماعة باللغة العربية في مصنفاتهم في الاعتقاد، وقد تنوعت طرقهم وأساليبهم في ذلك الاحتجاج والاستدلال والرد على المخالفين؛ بل إنهم يوردون حجج المخالفين اللغوية ويردون عليها أداء للأمانة العلمية ولبيان ضعف استدلال المخالف باللغة وبطلانه، ويبينون المعاني الصحيحة لبعض الكلمات والألفاظ، ويضربون الأمثلة لتوضيح وتقريب المعاني اللغوية (٤).

[رابعاً: التركيز في الدفاع عن العقيدة على نفس المعتقد بغض النظر عن القائل، وقد يذكرونه أحياناً]

إن من منهج السلف في الدفاع عن العقيدة التركيز على بيان الحق ورد الشبه، بغض النظر عن قائلها، وقد يحتاجون في بعض الأحيان إلى التعيين إذا ترتب على ذلك مصلحة.

يوضح ذلك الشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله- فيقول: " الأصل هو الستر، والعمل على دفع دواعي الفرقة والوحشة وعدم الموافقة، فالرد يَنْصبُ على المقالة المخالفة المذمومة لا على قائلها وتعيين اسم قائلها حسب مقتضى الأحوال منها:

أ- التعيين إذا كانت المقالة فاحشة جداً كبدعة الخوارج، فلا إشكال في جواز إبدائها وتعيين القائل بها، كما عين رسول الله صلى الله عليه وسلم الخوارج، وذكر علاماتهم، وحذر منهم، ويلحق بذلك ما هو مثله في الشناعة بل أشد منه بحسب نظر المجتهد، كالبعثيين، والعلمانيين، والحداثيين.

ب- التعيين إذا كانت الفرقة تدعوا إلى ضلالتها، وتزينها في قلوب العوام، فإن ضرر هؤلاء على المسلمين كضرر إبليس فلابد من التصريح بأنهم من أهل البدعة والضلالة" (٥).


(١) انظر: المرجع السابق: ١/ ١٣٨ - ١٣٩.
(٢) الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة، لابن بطة العكبري: ٢/ ٢٦٤.
(٣) الرد على الزنادقة والجهمية، للإمام أحمد: ١٩٦.
(٤) انظر: منهج أهل السنة والجماعة في تدوين علم العقيدة: ١/ ٦٤٠ - ٦٥٩.
(٥) الرد على المخالف: ٦٣ - ٦٤.

<<  <   >  >>