للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[رابعاً: رد الأفكار والتأويلات الباطلة]

والمقصود به: تأويل المتكلمين للنصوص الشرعية من الكتاب والسنة وصرفها عن ظاهرها ومعناها الراجح إلى المعنى المرجوح استناداً على العقل وحده، كي توافق مقتضى عقولهم وتبدوا مسايره لأهوائهم.

وقد رفض علماء السلف هذا التأويل رفضاً قاطعاً، وانكروه واعتبروه تأويلاً باطلاً وتحريفاً لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، لما يتضمنه ويلزم منه من أمور كثيرة باطلة.

قال الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة - رحمه الله-: " إن الأخبار في صفات الله موافقة لكتاب الله تعالى، نقلها الخلف عن السلف قرناً بعد قرن من لدن الصحابة والتابعين إلى عصرنا هذا، على سبيل الصفات لله تعالى والمعرفة والإيمان به والتسليم لما أخبر الله في تنزيله ونبيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن كتابه، مع اجتناب التأويل والجحود وترك التمثيل والتكييف" (١).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- -رحمه الله-: " أهل السنة متفقون على إبطال تأويلات الجهمية ونحوهم من المنحرفين الملحدين، والتأويل المردود: هو صرف الكلام عن ظاهره إلى ما يخالف ظاهره .. ، وليس هذا مذهب السلف والأئمة، وإنما مذهبهم نفي هذه التأويلات وردها" (٢).

ولذلك كله هجر السلف طريقهم وأنكروه وحذروا الأمة المحمدية من سلوك طريقه وهي التي كان يسميها السلف مقالة الجهمية، والذي هيأ المتكلمون لانتشارها عن طريق تبني بعض أفكارها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: " فإذا كان أصل هذه المقالة -مقالة التعطيل والتأويل- مأخوذاً عن تلامذة المشركين والصابئين واليهود فكيف تطيب نفس مؤمن -بل نفس عاقل- أن يأخذ سبيل هؤلاء المغضوب عليهم أو الضالين ويدع سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين" (٣).

[خامساً: تقدير المصلحة والمفسدة في الرد]

إن من قواعد الشريعة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات وأكبر الأصنام ولا يغيرها، وترك المنافقين ولم يقتلهم مع ثبوت كفرهم لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه.

والتعامل مع كل مخالف منوط بهذه القاعدة فلا يسوغ الرد عليه إذا ترتب على ذلك مفسدة كبرى، وقد نهى الله تعالى عن سب آلهة المشركين لما يترتب على ذلك من مفسدة أعظم من مصلحة سبها، قال تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١٠٨].


(١) ذم التأويل، لابن قدامة المقدسي: ١٨.
(٢) رسالة الإكليل في المتشابه والتأويل، لابن تيمية: ٣/ ١٨٧.
(٣) المرجع السابق: ٥/ ٢٥.

<<  <   >  >>