للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول أيضا في الأخذ بأقوال أهل القرون الثلاثة الأولى: " معرفة أقوالهم في العلم والدين وأعمالهم خير وأنفع من معرفة أقوال المتأخرين وأعمالهم في جميع علوم الدين وأعماله كالتفسير وأصول الدين وفروعه والزهد والعبادة والأخلاق والجهاد وغير ذلك، فإنهم أفضل ممن بعدهم كما دل عليه الكتاب والسنة، فالاقتداء بهم خير من الاقتداء بمن بعدهم، ومعرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين خير وأنفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم، وذلك أن إجماعهم لا يكون إلا معصوماً، وإذا تنازعوا فالحق لا يخرج عنهم، فيمكن طلب الحق في بعض أقاويلهم، ولا يحكم بخطأ قول من أقوالهم حتى يعرف دلالة الكتاب والسنة على خلافه لقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩)} [النساء: ٥٩] " (١).

[ثالثاً: الاستدلال بالأدلة العقلية والفطرة]

فالعقل السليم والفطرة مؤيدان يوافقان الكتاب والسنة، ويدركان أصول الاعتقاد على الإجمال لا على التفصيل، فالعقل والفطرة يدركان وجود الله وعظمته وضرورة طاعته وعبادته واتصافه بصفات العظمة والجلال على وجه العموم.

كما أن العقل والفطرة السليمين يدركان ضرورة النبوات وإرسال الرسل، وضرورة البعث والجزاء على الأعمال كذلك، على الإجمال لا على التفصيل.

والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم جاء مؤيداً من ربه بالحجج والبراهين العقلية، كما قال تعالى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (٣٣)} [الفرقان: ٣٣]، فأخبر سبحانه أن الكفار لا يأتونه بقياس عقلي لباطلهم إلا جاءه الله بالحق والبيان والدليل وضرب المثل بما هو أحسن تفسيراً وكشفا ًوإيضاحاً للحق من قياسهم (٢).

يقول ابن تيمية -رحمه الله-: " إن دلالة الكتاب والسنة على أصول الدين ليست بمجرد الخبر كما تظنه طائفة من الغالطين من أهل الكلام والحديث والفقهاء والصوفية وغيرهم، بل الكتاب والسنة دلا الخلق وهدياهم إلى الآيات والبراهين والأدلة المبينة لأصول الدين" (٣).


(١) مجموع الفتاوى: ١٣/ ٢٤ - ٢٥.
(٢) انظر: نقض المنطق، لابن تيمية: ٨٩.
(٣) مجموع الفتاوى: ٤/ ٢٠٤.

<<  <   >  >>