للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٤ - الاستفسار والاستفصال عند الإجمال]

يلتزم السلف إزاء الألفاظ المجملة التي يوردها أهل الباطل بهذه القاعدة فلا يوافقون على إثبات لفظ مجمل أو نفيه، إلا بعد الاستفسار عن مراد صاحبه، وذلك كألفاظ الجوهر، والجسم، والجهة، وهي من الألفاظ المبتدعة عند أهل الأهواء وأهل الكتاب، فإن كان المعنى حقٌ؛ قبلوا المعنى وردوا اللفظ، وإن كان المعنى باطلٌ ردوا اللفظ والمعنى.

قال ابن أبي العز -رحمه الله- في شرح الطحاوية في تعليقه على كلام الطحاوي: " تعالى ربنا عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات"، قال: " أذكر بين يدي الكلام على عبارة الشيخ رحمه الله مقدمة، وهي: أن الناس في إطلاق مثل هذه الألفاظ ثلاثة أقوال: فطائفة تنفيها، وطائفة تثبتها، وطائفة تفصل، وهم المتبعون للسلف، فلا يطلقون نفيها ولا إثباتها إلا إذا بين ما أثبت بها فهو ثابت، وما نفي بها فهو منفي؛ لأن المتأخرين قد صارت هذه الألفاظ في اصطلاحهم فيها إجمال وإبهام، كغيرها من الألفاظ الاصطلاحية، فليس كلهم يستعملها في نفس معناها اللغوي. ولهذا كان النفاة ينفون بها حقا وباطلا، ويذكرون عن مثبتيها ما لا يقولون به، وبعض المثبتين لها يدخل فيها معنى باطلا، مخالفا لقول السلف، ولما دل عليه الكتاب والميزان. ولم يرد نص من الكتاب ولا من السنة بنفيها ولا إثباتها، وليس لنا أن نصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه ولا وصفه به رسوله نفيا ولا إثباتا، وإنما نحن متبعون لا مبتدعون" (١).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: " ومن الأصول الكلية أن يعلم أن الألفاظ نوعان: نوع جاء به الكتاب والسنة فيجب على كل مؤمن أن يقر بموجب ذلك، فيثبت ما أثبته الله ورسوله وينفي ما نفاه الله ورسوله فاللفظ الذي أثبته الله أو نفاه حق؛ فإن الله يقول الحق وهو يهدي السبيل، والألفاظ الشرعية لها حرمة ...

وأما الألفاظ التي ليست في الكتاب والسنة ولا اتفق السلف على نفيها أو إثباتها فهذه ليس على أحد أن يوافق من نفاها أو أثبتها حتى يستفسر عن مراده، فإن أراد بها معنى يوافق خبر الرسول أقر به وإن أراد بها معنى يخالف خبر الرسول أنكره" (٢).


(١) شرح العقيدة الطحاوية: ١٨٩.
(٢) مجموع الفتاوى: ١٢/ ١١٣ - ١١٤.

<<  <   >  >>