للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ثالثاً: التواضع]

إن من منهج السلف - رحمهم الله- وأخلاقهم في تعاملهم مع المردود عليه أن لا يفخر الراد على المردود عليه، ولا المنتصر على المنتصر عليه، ولا يتكبر عليه، فإن الفخر والتكبر ليس من شأن أهل الإسلام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثال ذرة من كبر" ثم فسر الكبر بأنه "بطر الحق" يعني جحد الحق، " وغمط الناس" (١) يعني احتقارهم، وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد" (٢)، وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر: ٥٦].

فالسلف رحمهم الله لا يجحدون الحق، ولا يتكبرون على الخلق، قال الإمامان محمد بن عبد اللطيف ومحمد بن إبراهيم في رسالتيهما إلى أبي الوفاء الهندي: " وغير خاف عليكم أن كل ذي دين وإنصاف أبعد شيء عن الأنفة والاستنكار ومن أحب الناس إليه من يعرفه عيبه ويوقفه عليه" (٣).

فالسلف يقبلون الحق من كل من جاء به، وفي ذلك يقول معاذ بن جبل رضى الله عنه: " اقبلوا الحق من كل من جاء به، وإن كان كافراً -أو قال فاجراً- واحذروا زيغة الحكيم، قالوا: كيف نعلم أن الكافر يقول الحق؟ قال: على الحق نور" (٤).

وقال ابن تيمية -رحمه الله-: " والله أمرنا ألا نقول إلا الحق وألا نقول عليه إلا بعلم، وأمرنا بالعدل والقسط، فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني - فضلاً عن الرافضي- قولاً فيه حق أن نتركه أو نرده كله، بل لا نرد إلا ما فيه من الباطل دون ما فيه من الحق" (٥).


(١) صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب: تحريم الكبر وبيانه، رقم (٩١).
(٢) صحيح مسلم: كتاب الجنة، باب: الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار، رقم (٢٨٦٥).
(٣) الدرر السنية في الأجوبة النجدية، جمع عبدالرحمن بن قاسم: ١٣/ ٥٢.
(٤) سنن أبي داود، كتاب السنة، باب: لزوم السنة، رقم (٣٩٩٥).
(٥) منهاج السنة النبوية: ٢/ ٣٤٢.

<<  <   >  >>