للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: المنهج العلمي للسلف في الدفاع عن العقيدة]

للسلف -رحمهم الله تعالى- منهج علمي في دفاعهم عن العقيدة، ويتمثل هذا المنهج في عدة أمور:

[أولاً: العمل بالمحكم والإيمان بالمتشابه]

فمن منهج السلف -رحمهم الله- الإيمان المطلق بما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما قال الشافعي رحمه الله: " آمنت بما جاء عن الله، على مراد الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم " (١).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: " ولهذا ما يجيء في الحديث نعمل بمحكمه ونؤمن بمتشابهه" (٢).

قال ربيعة شيخ مالك -رحمه الله-: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، ومن الله البلاغ، وعلى الرسول البيان، وعلينا الإيمان" (٣).

وقال ابن أبي زيد القيرواني -رحمه الله-: " ونصدق بما جاء عن الله -عز وجل- في كتابه، وبما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخباره، ونوجب العمل بمحكمه، ونقر بنص مشكله ومتشابهه، ونكل ما غاب عنا من حقيقة تفسيره إلى الله سبحانه وتعالى، والله يعلم من تأويل المتشابه من كتابه: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: ٣] " (٤).

وهذا الإيمان غير موقوف على فهم المعنى وإدراكه، لأن عقول البشر قاصرة عن إدراك جميع المعاني والإحاطة بها، ولأن الخبر إذا جاء عن الله ورسوله لم نحتج في إيماننا أن نحيط بمعناه، بل نصدقه ونؤمن به. يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: " إن ما أخبر به الرسول عن ربّه فإنه يجب الإيمان به، سواء عرفنا معناه أو لم نعرف، لأنه الصادق المصدوق، فما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن الإيمان به، وإن لم يفهم معناه" (٥).

وقال أبو إسماعيل الصابوني -رحمه الله-: " قرأت في رسالة للشيخ أبي بكر الإسماعيلي إلى أهل جيلان"، ومما حكاه عنه" فانتهينا إلى ما أحكم وكففنا عن الذي يتشابه إذ أمرنا به في قوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ


(١) انظر: ذم التأويل: ١١، ونقض المنطق: ٢.
(٢) مجموع الفتاوى: ٣/ ٥٧.
(٣) التدمرية: ٩٦ - ٩٨، شرح أصول اعتقاد أهل السنة: ٣٩٧.
(٤) كتاب الجامع في السنن والآداب والحكم والمغازي والتاريخ وغير ذلك، لأبي محمد بن عبدالله القيرواني: ١٤٦.
(٥) الرسالة التدمرية، ضمن مجموع الفتاوى: ٣/ ٤١.

<<  <   >  >>