للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول الفاروق عمر رضى الله عنه عن النصارى: " أهينوهم، ولا تظلموهم، فلقد سبوا الله مسبة ما سبه إياها أحد من البشر" (١).

فقول عمر رضى الله عنه: "أهينوهم": من مقتضى البراءة من الكافرين، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} [المائدة: ٥١]، وأما قوله رضى الله عنه: "ولا تظلموهم"، فهذا مقتضى العدل معهم (٢)، كما قال سبحانه: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨)} [الممتحنة: ٨].

"فالله يحب العدل والإنصاف على الموافق، والمخالف، وما يَضُر المتعصب بغير حق إلا نفسه.

قال حاتم الأصم - رحمه الله تعالى -: " معي ثلاث خصال أظهر بها على خصمي، قالوا: وما هي؟ قال: أفرح إذا أصاب خصمي، وأحزن إذا أخطأ، وأحفظ نفسي لا تتجاهل عليه".

فبلغ ذلك أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- فقال: " سبحان الله ما أعقله من رجل" (٣)." (٤).

وإذا أنصف الإنسان حمله إنصافه على أن يعرف قدر الخطأ، فلا يعطيه أكبر من حقه، كما لا ينسى سابقة قائله، وظروفه التي حملته على فعله، ولا يغيب عنك فعل حاطب بن أبي بلتعة رضى الله عنه وكيف أن عقوبته منع من ترتبها عليه مشهده العظيم يوم بدر.

قال ابن القيم -رحمه الله-: " من قواعد الشرع والحكمة أن من كثرت حسناته وعظمت وكان له في الإسلام تأثير ظاهر فإنه يُحتمل منه ما لا يُحتمل من غيره ويعفى عنه ما لا يعفى من غيره؛ فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث ... وهذا أمر معلوم عند الناس مستقر في فطرهم أن من له ألوف الحسنات فإنه يسامح بالسيئة والسيئتين، وكما قيل:

وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع" (٥).


(١) انظر: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، لابن القيم: ٢/ ٣٩٨.
(٢) انظر: أحكام أهل الذمة، لابن القيم: ١/ ٢١١.
(٣) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، لابن الجوزي: ١١/ ٢٥٤.
(٤) الرد على المخالف: ٦٢.
(٥) مفتاح دار السعادة: ١/ ١٧٧.

<<  <   >  >>