الحمد لله ذي الجود والكرم، ومسبغ الآلاء والنعم، وصلى الله على خير من مشى على قدم، المصطفى المبعوث إلى سائر الأمم، محمد بن عبد الله منقذنا من الضلال والظلم، وعلى آله وأصحابه وأزواجه وسلم.
أما بعد أطال الله في النعمة عمرك، وحسن مع التقى عملك، وبلغك في السلامة أملك، وختم بالصالحات أجلك، فإنك طلبت مني أن أجمع لك من أخبار الأجواد أجودها، ومن فعالات الكرام أسناها وارشدها، فاستخرت الله في المقال، وتخيرت من ذلك ما سنح لي في الحال، مما أحسبه يستفز القارئ والسامع، ويقع منه أرفع المواقع، وألفته كتاباً سميته المستجاد من فعالات الأجواد فكان للقبه مطابقاً، ولغرضك موافقاً، ولما يستحسن سابقاً وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
[حكايا الأجواد]
[حكاية]
روي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نام على فراش النبي صلى الله عليه وسلم لما اجتمعت قريش على قتله يفديه بنفسه، فأوحى الله تعالى إلى جبريل وميكائيل إني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه، ولكما الخيار فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة، فأحب كل كمال الحياة واختارها، فأوحى الله تعالى إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين نبيي محمد وقد نزل على فراشه ونام عليه علي " يفديه بنفسه ويؤثره " بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه فكان جبريل عن رأسه وميكائيل عند رجليه، وجبريل ينادي بخٍ بخٍ، من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة، فأنزل الله تعالى:) ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله (.
[حكاية]
سأل رجل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما حاجة، فقال له يا هذا حق سؤالك إياي يعظم لدي، ومعرفتي بما يجب لك تكبر علي، ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله، والكثير في ذات الله تعالى قليل، وما في ملكي وفاء لشكرك، فإن قبلت الميسور ورفعت عني مؤونة الاحتيال والاهتمام لما اتكلف من واجبك فعلت فقال: يا ابن بنت رسول الله اقبل القليل، واشكر العطية، واعذر على المنع، فدعا الحسن بوكيله وجعل يحاسبه على نفقاته حتى استقصاها، ثم قال: هات الفاضل من الثلاثمائة ألف فأحضر خمسين ألفاً قال: فما فعلت بالخمسمائة دينار قال: هي عندي قال: أحضرها فأحضرت فدفع الدراهم والدنانير إلى الرجل، وقال هات من يحملها لك، فأتاه بحمالين فدفع إليهما الحسن رداءه لكراء الحمل، فقال له مواليه: والله ما عندنا درهم فقال: لكنني أرجو أن يكون لي عند الله أجر عظيم.
[حكاية]
قال أبو الحسن المدايني: خرج الحسن والحسين رضي الله عنهما وعبد الله بن جعفر حجاجاً ففاتتهم أثقالهم فجاعوا وعطشوا، فمروا بعجوز في خباء لها فقال لها أحدهم: هل من شراب؟ قالت نعم، فأناخوا إليها وليس لها إلا شويهة في كسر الخيمة. فقالت: احلبوها وامتذقوا لبنها ففعلوا، ثم قالوا لها هل من طعام؟ قالت: لا إلا هذه الشاة فليذبحها أحدكم حتى أهبئ لكم منها ما تأكلون، فقام إليها أحدهم فذبحها وكشطها، ثم هيأت لهم طعاماً فأكلوا وأقاموا حتى أبردوا، فلما ارتحلوا قالوا لها: نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه، فإذا رجعنا سالمين فألمي بنا، فإنا صانعون إليك خيراً، ثم ارتحلوا. وأقبل زوجها فأخبرته بخبر القوم والشاة، فغضب وقال: ويحك تذبحين شاتي لقوم لا تعرفينهم ثم تقولين نفر من قريش.