وقال أبو الفرج أيضاً: أخبرني أبو زيد قال أخبرني عمي عن أبيه عن ابن الكلبي عن أبيه قال: أخبرني شيخ من بني نبهان قال: أصابت بني شيبان سنة ذهبت بالأموال، فخرج رجل منهم بعياله، حتى أنزلهم الحيرة فقال لهم: كونوا قريباً من الملك يصبكم من خيره، حتى أرجع إليكم وآلى على نفسه ألية ألا يرجع حتى يكسبهم خيراً أو يموت، فتزود زاداً، ثم مشى يوماً إلى الليل، فإذا هو بمهر مقيد يدور حول خباء فقال: هذا أول الغنيمة فذهب يحله ويركبه، فنودي خل عنه واغنم نفسك، فتركه ومضى سبعة أيام حتى انتهى إلى عطن إبل مع تطفيل الشمس، فإذا خباء عظيم وقبة من أدم قال: فقلت في نفسي ما لهذا الخباء بد من أهل، وما لهذه القبة بد من رب، وما لهذا العطن بد من إبل، فنظرت في الخباء فإذا شيخ كبير قد اختلفت ترقوتاه كأنه نسر، فجلست خلفه مختبئاً، فلما وجبت الشمس إذا بفارس قد أقبل لم أر فارساً قط أعظم منه ولا أجسم، على فرس مشترف ومعه أسودان يمشيان بجنبيه، وإذا مائة من الإبل مع فحلها فبرك الفحل وبركن حوله، ونزل عن فرسه فقال لأحد عبديه: احلب فلانة ثم اسقي الشيخ، فحلب في عس حتى ملأه ووضعه بين يدي الشيخ، وتنحى فكرع فيه الشيخ مرة أو مرتين ثم نزع فثرت إليه فشربته فرجع إليه العبد فقال: يا مولاي قد أتى على آخره، ففرح بذلك، وقال له أحلب له فلانة فحلبها ثم وضع العس بين يدي الشيخ فكرع فيه كرعة واحدة، ثم نزع فثرت إليه فشربت نصفه وكرهت أن آتي على آخره فاتهم. فجاء العبد فأخذه وقال لمولاه: قد شرب وروي قال: دعه ثم أمر بشاة فذبحت وشوى للشيخ منها ثم أكل هو وعبدانه فأمهلت حتى إذا ناموا وسمعت الغطيط ثرت إلى الفحل فحللت عقاله وركبته، فاندفع بي وتبعته الإبل، فمشيت ليلتي حتى الصباح. فلما أصبحت نظرت فلم أر أحداً فشللتها حينئذ شلاً عنيفاً حتى تعالى النهار، ثم التفت التفاتة فإذا أنا بشيء كأنه طائر فما زال يدنو مني حتى تبينته فإذا هو فارس على فرس، وإذا هو صاحبي بالأمس، فعقلت الفحل، ونثلت كنانتي ووقفت بينه وبين الإبل، فوقف بعيداً فقال: أحلل عقاله فقلت: كلا والله لقد خلفت نسيات بالحيرة وآليت ألية ألا أرجع حتى أفيدهن خيراً أو أموت، قال: فنك ميت، حل عقاله لا أم لك فقلت: هو ما قلت لك، قال: انك لمغرور، انصب لي خطامه واجعل لي منه خمس عجر ففعلت فقال: أين تحب أن أضع سمهي فقلت: في هذا الموضع، فكأنما وضعه فيه بيده، ثم أقبل يرمي حتى أصاب الخمس بخمسة أسهم، فرددت نبلي في كنانتي، وحططت قوسي، ووقفت مستسلماً فدنا مني فأخذ السيف والقوس ثم قال: ارتدف خلفي وعرف أني الذي رشبت عنده اللبن فقال: كيف ظنك بي؟ فقلت أحسن ظن، قال: وكيف؟ قلت: لما لقيت من تعب ليلتك، وقد أظفرك الله بي. فقال: أترانا كنا نهجيك بسوء وقد بت تنادم مهلهلاً، قلت: أزيد الخيل أنت؟ قال: نعم، أنا زيد الخيل، قلت: كن خير آخذ، قال: ليس عليك بأس. فمضى إلى موضعه الذي كان به، ثم قال: أما لو كانت هذه الإبل لي لسلمتها إليك، ولكنها لابنة مهلهل فأقم علي فإني على شرف فأقمت عنده أياماً ثم أغار على بني نمير بالملح فأصاب مائة بعير فقال: أهذه أحب إليك أم تلك؟ فقلت: بل هذه قال: دونكها وبعث معي خبراء من ماء إلى ماء حتى وردوا الحيرة، فلقيني نبطي فقال: يا أعرابي ابسرك أن لك بإبلك هذه بستاناً من هذه البساتين قلت: وكيف؟ قال: هذا أوان نبي يخرج فيملك هذه الأرض، ويحول بين أربابها وبينها، حتى إن أحدكم ليبتاع البستان بثمن بعير، قال: فارتحلت بأهلي حتى انتهيت إلى موضع، فبينا نحن بالشطين على ماء لنا وقد كان الحوفزان بن شريك أرغا على بني تميم، إذ جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمنا، وما مضت إلا أيام حتى اشتريت بثمن بعير من إبلي بستاناً بالحيرة.