أجررت حبل خليع في الصبا غزل ... وقصرت همم العذال عن عذلي
رد البكاء من العين الطموح هوى ... مفرق بين توديع ومرتحل
أما كفى البين أن أرمى بأسهمه ... حتى رماني بلحظ الأعين النجل
مما جنت لي وإن كانت مني صدقت ... صبابة خلس التسليم بالمقل
إلى أن يقول فيها:
موف على مهج في يوم ذي رهج ... كأنه أجل يسعى إلى أمل
تراه في الأمن في درع مضاعفة ... لا يأمن الدهر أن يدعي على عجل
لا يعبق الطيب خديه ومفرقه ... ولا يمسح عينيه من الكحل
إذا انتضى سيفه كانت مسالكه ... مسالك الموت في الأحشاء والمقل
وإن خلت بحديث النفس نظرته ... حي الرجاء ومات الخوف من وجل
كالليث إن هجته فالموت راحته ... لا يستريح إلى الأيام والدول
قد عود الطير عادات وثقن بها ... فهن يتبعنه في كل مرتحل
لله من هاشم في أرضه جبل ... وأنت وابنك ركنا ذلك الجبل
صدقت ظني وصدقت الظنون به ... وحط جودك عقد الرحل عن جملي
فقال له قد أمرنا لك بخمسين ألف درهم فاقبضها واعذر فخرج الحاجب فقال: قد أمرني أن أرهن ضيعة من ضياعه على مائة ألف درهم خمسون ألفاً منها لك وخمسون ألفاً لنفقته فأعطاه إياها، وكتب صاحب الخبر بذلك إلى الرشيد فأمر له بمائتي ألف درهم وقال اقض الخمسين الألف التي أخذها الشاعر وزده مثلها وخذ مائة ألف لنفسك. فأفتك ضيعته، وأعطى مسلماً خمسين ألفاً أخرى.
[حكاية]
قيل كان مخارق يهوى جارية لأم جعفر يقال لها نهار وكان بها كلفاً، ويستر ذلك عن أم جعفر حتى بلغها، فأقصته ومنعته من المرور ببابها فلما علم أن الخبر قد بلغ إلى أم جعفر قطعها وتحاماها إجلالاً لأم جعفر وطمعاً في السلو عنها فضاق ذرعه بذلك فبينا هو ذات ليلة في زلال وقد انصرف من دار المأمون، وأم جعفر تشرف على دجلة إذ حاذى دارها، فرآى الشمع يزهر فيها؛ فلما صار بمسمع منها ومرأى اندفع فغنى بشعر العباس الأحنف:
إن يمنعوني ممري قرب دارهم ... فسوف أنظر من بعد إلى الدار
لا يقدرون على منعي ولو جهدوا ... إذا مررت وتسليمي بإضمار
ما ضر جيرانكم والله يصلحهم ... لولا شقائي إقبالي وإدباري
سيما الهوى شهرت حتى عرفت بها ... إني محب وما بالحب من عار
فقالت أم جعفر: مخارق والله ردوه فصاحوا به فقدم، وأمره الخدم بالصعود فصعد، وأمرت له أم جعفر بكرسي وصينية فيها نيبذ فشرب وخلعت عليه وأمرت الجواري فغنين ثم ضربن عليه فغنى فكان أول ما غنى بشعر العباس أيضاً:
أغيب عنك بود ما يغيره ... نأي المحل ولا صرف من الزمن
فإن أعش فلعل الدهر يجمعنا ... وإن أمت فقتيل الهم والحزن
قد حسن الله في عيني ما صنعت ... حتى أرى حسناً ما ليس بالحسن
قال: فاندفعت نهار وتغنت كأنها تتابعه وإنما أجابته عن معنى ما عرض لها به.
تعتل بالشغل عنا ما تلم بنا ... الشغل للقبل ليس الشغل للبدن
فظنت أمر جعفر أنها خاطبته بما في نفسها فضحكت وقالت: ما سمعنا بأحسن مما صنعتما ووهبتها له.
[حكاية]
قال أبو زيد: أغار قوم من العرب على نعم لأحمد بن عنقاء الفزاري فاستاقوها حتى لم يبق له منها شيء، فأتى ابن أخيه فقال له: يا ابن أخي إنه قد نزل بعمك ما ترى فهل من حلوبة قال: نعم يا عم يروح المال فأبلغ مزادك، فلما راح ماله قسمه إياه وأعطاه شطره فقال ابن عنقاء:
رآني على ما بي عميلة فاشتكى ... إلى ماله حالي أسر كما جهر
دعاني فواساني ولو ضمن لم ألم ... على حين لا بادٍ يرجى ولا حضر
فقلت له خيراً أو أثنيت فعله ... وأوفاك ما أبليت من ذم أو شكر
غلام رماه الله بالخير يافعاً ... له سيمياء لا تشق على البصر
كأن الثريا علقت في جبينه ... وفي خده الشعرى وفي وجهه القمر
ولما رأى المجد استردت ثيابه ... تردى رداء واسع الذيل واتزر
إذا قبلت العوراء ولى كأنه ... ذليل بلا ذل ولو شاء لانتصر
حكاية