للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قيل تذاكر جلساء معاوية بحضرته يوماً أشراف الناس وذوي الوجاهة والبيوت الجليلة، والحسين بن علي رضي الله عنهما حاضر، فقال معاوية من تعرفون أكرم الناس أباً وأماً وجداً وجدةً وعماً وعمةً وخالاً وخالةً؟ فقالوا: أمير المؤمنين أعلم، فأخذ بيد الحسين بن علي رضي الله عنهما وقال: هذا أبوه علي بن أبي طالب وأمه فاطمة بنت محمد وجده رسول الله وجدته خديجة وعمه جعفر بن أبي طالب، وعمته هالة بنت أبي طالب، وخاله القاسم ابن رسول الله، وخالته زينب بنت محمد. فقال كلهم: صدق أمير المؤمنين.

[حكاية]

قال أبو الفرج الأصبهاني في كتابه: أخبرني أحمد بن عبيد الله ابن عمار قال: حدثنا سليمان بن ابي شيخ قال: حدثنا محمد بن الحكم عن عوانة أن عبيد الله بن أبي بكرة كتب إلى يزيد بن أبي ربيعة بن مفرغ أني قد توجهت إلى سجستان فالحق بي لعلك إن أقدمت على ألا تندم ولا تذم رأيك، فتجهز ابن مفرغ وخرج حتى أتى إلى سجستان ممسياً فدخل عليه فشغله بالحديث، وأمر له بمنزل وفرش وخدم، وجعل يطاوله حتى علم أنه قد استتم ما أمر له به، ثم صرفه إلى المنزل الذي هيئ له، ثم دعا به في اليوم الثاني فقال له: يا ابن مفرغ انك قد تجشمت إلي شقة بعيدة، وقم أتسع لك الأمل، فرحلت إلي لأقضي عنك دينك، ولأغنيك عن الناس، وقلت: أبو حاتم بسجستان قمن لي بالغنى بعده فقال: والله ما أخطأت أيها الأمير مما كان في نفسي شيئاً فقال عبيد الله: أما والله لأفعلن ذلك، ولأقلن لبثك عندي، ولأحسنن صلتك، فأمر له بمائة ألف درهم ومائة وصيفة ومائة نجيبة، وأمر له بما ينفقه إلى أن يبلغ بلده سوى المائة ألف، وبمن يكفيه الخدمة من غلمانه ومواليه، وقال له: إن من خفة السفر أن لا تهتم بخف ولا حافر، فكان مقامه عنده سبعة أيام، ثم ارتحل وشيعه عبيد الله بن أبي بكرة إلى قرية على أربعة فراسخ يقال لها زالق، ثم قال له: يا ابن مفرغ أنه ينبغي للمودع أن ينصرف وللمتكلم أن يسكت، وأنا من قد عرفت، فانفق على الأمل، وحسن ظنك بي ورجاءك في وإذا بدا لك أن تعود فعد والسلام ثم صار ابن مفرغ حتى الأهواز فرجعت عنه رسل عبيد الله، وقالوا: قد بلغنا حيث أمرنا قال: أجل، ثم أمر أناهيد بنت أعنق، امرأة كان يهواها، أن تفتح الباب، وقال لها كل ما دخل دارك فهو لك، وأقام بالأهواز ودعا ندماء كانوا له من فتيان العرب، فلم يبق ظريف ولا مغن إلا أتاه، واستماحه جماعة قصدوه من أهل البصرة والكوفة والشام فأعطاهم، ولم يفارق اناهيد ومعه شيء من المال، وجعل القوم يسألونه عن عبيد الله بن أبي بكرة وكيف هو وأخلاقه " وجوده " فقال:

يسائلني أهل العراق عن الندى ... فقلت عبيد الله حلف المكارم

فتى حاتمي في سجستان رحله ... وحسبك جوداً أن يكون كحاتم

سما لينال المكرمات فنالها ... بشدة ضرغام وبذل الدراهم

وحلم إذا ماسورة الحرب أطلقت ... حبا القوم عند الفادح المتفاقم

وإن له في كل حي صنيعة ... يحدثها الركبان أهل المواسم

دعاني إليه جوده ووفاؤه ... ومن دون مسراه عداة الأعاجم

فلم أثو إلا جمعة في جواره ... ويومين حلا من ألية آثم

إلى أن دعاني زانة الله بالعلى ... فأنبت من راشي مهيض القوادم

وقال إذا ما شئت يا ابن مفرغ ... فعد عودة ليست كأضغاث حالم

فقلت له: لا يبعد الله داره، ... أعود إذا ما جئتكم غير حاشم

وأحمدت وردي إذ وردت حياضه ... وكل كريم نهزة للأكارم

" فأصبح لا يرجو العراق وأهله ... سواء لنفع أو لدفع العظائم "

وإن عبيد الله هيأ رفده ... سراحاً وأعطى خيره غير عاقم

حكاية

<<  <   >  >>