حدثني أبي عن أبيه قال: عرض على المنصور سنة حج جوهر فاخر فعرفه وقال: هذا كان لهشام بن عبد الملك، وهذا يعنيه قد بلغني خبره عند ابنه محمد، وما بقي منهم أحد غيره. ثم قال للربيع: إذا كان غداً وصليت بالناس في المسجد الحرام، وحصل الناس فيه فأغلق الأبواب ووكل بها ثقاتك من الشيعة وأقفلها، وافتح للناس باباً واحداً منها، وقف عليه فلا يخرج أحد إلا من قد عرفته. فلما كان من غد فعل الربيع ذلك، وتبين محمد بن هشام القصة، وعلم أنه هو المطلوب وإنه مأخوذ فتحير. وأقبل محمد بن زيد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب على أثر ذلك فرآه متحيراً وهو لا يعرفه فأنكر أمره وقال له. يا هذا أراك متحيراً متلدداً فمن أنت ولك أمان الله تعالى التام العام وأنت في ذمتي حتى أخلصك بعون الله تعالى قال: أنا محمد بن هشام بن عبد الملك فمن أنت؟ قال أنا محمد بم زيد بن علي بن الحسين قال: فعند الله أحتسب نفسي، إذ قال: لا بأس عليك يا ابن عم، فإنك لست قاتل زيد ولا في قتلك إدراك ثأره، وأنا الآن بخلاصك أولى مني بإسلامك، ولكن تعذرني فيما أتناولك به من مكروه وقبيح خطاب أخاطبك به يكون فيه خلاصك، بمشيئة الله تعالى. فقال: يا سيدي أنت وذاك، فطرح رداءه على رأسه ووجهه ولببه به وأقبل يسحبه، فلما وقعت عين الربيع عليه لطمه لطمات، وجاء به إلى الربيع، وقال يا أبا الفضل إن هذا الخبيث جمال من أهل الكوفة أكراني جماله ذاهباً وعائداً وقد هرب مني في هذا الوقت، وأكرى لبعض القواد الخراسانية، ولي عليه بذلك شهود، فتضم إلي حرسيين يصيران به معي إلى القاضي ويمنعان الخراساني من اعتراضه إن اعترضنا، فضم إليه الربيع حرسيين وقال امضيا به معه بعد من المسجد قال له: يا خبيث أتؤدي إلي حقي؟ قال نعم يا ابن رسول الله، فقال للحرسيين: انصرفا في حفظ الله تعالى فانصرفا. فلما بعدا أطلقه، فقبل محمد بن هشام رأسه وقال: بأبي أنت والله وأمي، فالله أعلم حيث يجعل رسالاته ثم أخرج جوهراً له قدر عظيم فدفعه إليه وقال: تشرفني يا سيدي بقبول هذا مني، قال: اذهب بمتاعك يا ابن عم، فإنا أهل البيت لا نقبل على المعروف مكافأة، وقد تركت لك دم زيد وهو أعظم قدراً من متاعك، فانصرف راشداً ووار شخصك عن هذا الرجل إلى أن يخرج، فإنه مجد في طلبك، فمضى وتوارى.
قال ثم أمر محمد بن زيد الداعي " بطبرستان " للأموي بمثل ما أمر به لسائر بني عبد مناف، وضم إليه جماعة من مواليه، وأمرهم أن يخرجوه إلى الري ويأتوه بكتابه بسلامته، فقام الأموي فقبل رأسه ومضى معهم حتى بلغ مأمنه وجاؤوه بكتاب بسلامته.
[حكاية]
قال أبو القاسم بن المعمر الزهري: كنت أسير مع يحيى بن خالد وهو بين ابنيه الفضل وجعفر، فإذا أبو الينبغي واقف على الطريق فناداني يا زهري فاستشرفت له فقال:
صحبت البرامك عشراً ولاء ... وبيتي كرا وخبزي شرا
قال: فسمعه يحيى فالتفت إلى الفضل وجعفر وقال: أف لهذا الفعل، أبو الينبغي ممن يحاسب؟ فلما كان الغد جاءني أبو الينبغي فقلت: ويحك ما هذا الذي عرضت نفسك له. فقال: أسكت ما هو إلا أن انصرفت إلى منزلي حتى جاءني من قبل الفضل بدرة ومن قبل جعفر بدرة، ووهب لي كل واحد منهما داراً، وأجرى علي من مطبخه ما يكفيني.
[حكاية]
قيل عرض محمد بن الجهم داراً له للبيع بخمسين ألف درهم، فلما حضر الشهود ليشهدوا قال: بكم تشترون مني جوار سعيد بن العاص، وكانت الدار في جوار سعيد بن العاص فقالوا: وإن الجوار ليباع، فقال: وكيف لا يباع جوار من إن سألته أعطاك، وإن سكت عنه ابتداك، وإن أسأت إليه أحسن إليك. قال: فبلغ ذلك سعيداً فوجه إليه بمائة ألف درهم، وقال له: امسك عليك دارك.