ذكر عبد الله بن منصور قال: كنت يوماً في مجلس الفضل بن يحيى فأتاه الحاجب فقال: إن بالباب رجلاً قد أكثر في طلب الإذن، وزعم أن له يداً يمت بها، قال: أدخله، فدخل رجل جميل الوجه رث الهيئة. فأحسن السلام، فأومأ إليه بالجلوس فجلس فلما علم أنه قد انطلق وأمكنه الكلام قال له: ما حاجتك؟ قال له: قد أعربت عنها رثاثة هيئتي وضعف طاقتي. قال: أجل. فما الذي تمت به؟ قال ولادة تقرب من لادتك، وجوار يدنو من جوارك، واسم مشتق من اسمك. قال الفضل: أما الجوار فقد يمكن أن يكون كما قلت، وقد يوافق الاسم الاسم، ولكن ما علمك بالولادة؟ قال: أعلمتني أمي أنها لما وضعتني قيل لها أنه ولد الليلة ليحيى بن خالد غلام وسمي الفضل، فسمتني فضيلاً إعظاماً لاسمك أن تلحقني به " وصغرته لقصور قدري عن قدرك "، فتبسم الفضل وقال: كم أتى عليك من السنين قال: خمس وثلاثون سنة قال: صدقت هذا المقدار الذي أعد لنفسي قال: فما فعلت أمك؟ قال: توفيت رحمها الله قال: فما منعك من اللحوق بنا فيما مضى؟ قال: كانت في عامية وحداثة تقعد بي عن لقاء الملوك، قال: يا غلام أعطه لكل عام مضى من سنيه ألفاً، وأعطه من كسوتنا ومراكبنا ما يصلح به، فلم يخرج من الدار إلا وقد طاف به أخوته وخاصة أهله.
[حكاية]
يروى أن رجلاً جاء إلى عبيد الله بن العباس وهو بفناء داره فقام بين يديه فقال: يا ابن العباس إن لي عندك يداً وقد احتجت إليها، فصعد فيه بصر وصوبه فلم يعرفه. ثم قال له: ما يدك عندنا فإني لا أثبتك؟ قال رأيتك واقفاً بزمزم، وغلامك يمتح لك من مائها، والشمس قد صهرتك، فظللنك بطرف إزاري حتى شربت قال أجل إني لأذكر ذلك، وإنه ليتردد بين خاطري وفكري. ثم قال لقيمه: ما عندك؟ قال مائتا دينار وعشرة آلاف درهم قال: ادفعها كلها إليه وما أراها تفي بحق يده عندنا. فقال له الرجل: والله لو لم يكن لإسماعيل ولد غيرك لكان فيك ما كفاه، فكيف وقد ولد سيد الأولين والآخرين محمداً صلى الله عليه وسلم ثم " شفعه " بك وبأبيك.
[حكاية]
قيل كان لعمرو بن دوسرة أخ قد كلف بابنة عمه كلفاً شديداً وكان أبوها يكره ذلك ويأباه، فشكاه إلى خالد بن عبد الله القسري وهو يومئذ على العراق، وذكر أنه يسيء جواره وسأله حبسه فحبسه ثم سئل خالد فيه فأطلقه، فلبث الفتى مدة كافا عن ابنة عمه ثم زاد ما به غلبه فرط الشوق، فحمل نفسه على أن تسور دار عمه ليرى ابنته، فنذر به وقبض عليه، وأتي به خالداً وادعى عليه السرقة، وأتى بجماعة يشهدون أنهم وجدوه في علو داره ليلاً، فسأله خالد فاعترف الفتى بالسرقة ليدفع الظنة عن ابنة عمه، فعزم خالد على قطع يده. فكتب أخوه رقعة ودفعها إلى من أولها إلى خالد وكان فيها:
أخالد قد أوطئت والله عشوة ... وما العاشق المظلوم فينا يسارق
أقر بما لم يجنه غير أنه ... رأى القطيع أولى من فضيحة عاشق
ولولا الذي قد خفت من قطع كفه ... لألفيت في أمر الفتى غير ناطق
إذا بدت الغايات في السبق للعلى ... ابن عبد الله أول سابق
فأرسل خالد مولى له يوثق به ليكشف حاله ويقف على حقيقة الأمر فأتاه بالصحيح من أمر الغلام، فأحضر عمه وألزمه بتزويج الجارية من ابن عمها فامتنع وقال ليس هو كفؤاً لها. فقال: بلى والله إنه لفوق الكفؤ إذ بذل يده عنها. ولئن لم تزوجه لأزوجنها منه وأنت كاره. فزوجها أبوها وساق خالد المهر عنه من ماله وأمره بلزومه لينفعه فلزمه، وكان الفتى يسمى العاشق إلى أن مات.