قيل لما احترق المسجد بمصر، ظن المسلمون أن النصارى أحرقوه، فحرقوا خاناً لهم، فقبض السلطان جماعة من الذين أحرقوا الخان، فكتب رقاعاً فيها القتل، وفيها القطع، وفيها الجلد فنثرها عليهم، فمن وقعت له رقعة فعل به ما فيها، فوقعت رقعة فيها القتل بيد رجل فقال: ما كنت أبالي لولا أم لي، وكان بجنبه بعض الفتيان، فقال: في رقعتي الجلد، وليس لي أم، فادفع إلي رقعتك وخذ رقعتي ففعلا، فقتل ذلك وجلد هذا.
[حكاية]
وقال الأستاذ أبو علي لما سعي غلام خليل بالصوفية إلى الخليفة بالزندقة أمر بضرب أعناقهم، فأما الجنيد فإنه تستر بالفقه، وكان يفتي على مذهب أبي ثور، وأما الشحام والرقام والثوري وجماعة فقبض عليهم وبسط النطع لضرب أعناقهم، فتقدم الثوري فقال له السياف: أتدري لماذا تتقدم؟ قال: نعم قال: وما يعجلك؟ قال: أؤثر أصحابي بحياة ساعة، فتحير السياف ونمي الخبر إلى الخليفة. فردهم إلى القاضي ليتعرف حالهم فألقى القاضي على أبي الحسين الثوري مسائل فقهية فأجاب عن الكل، ثم أخذ يقول: وبعد فإن لله عباداً إذا قاموا قاموا لله، وإذا نطقوا نطقوا بالله، وسرد ألفاظاً حتى أبكى القاضي، فأرسل إلى الخليفة وقال:" إن كان هؤلاء زنادقة فما على وجه الأرض مسلم " فأمر بإطلاق سراحهم فأطلقوا.
[حكاية]
قيل لما قتل الحجاج عبد الله بن الزبير، رحل إلى عبد الملك ابن مروان، ومعه إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد الله. فلما قدم على عبد الملك لم يبدأ بشيء من الكلام سوى أن قال: قدمت إليك يا أمير المؤمنين برجل الحجاز في الشرف الأبوة، لم أدع له فيها والله نظيراً في كمال المروءة والأدب، وحسن المذهب والطاعة " والنصيحة " مع القرابة من أمير المؤمنين: إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد الله، فافعل به يا أمير المؤمنين ما يستحق أن يفعل بمثله في أبوته وشرفه. فقال له: يا أبا محمد أذكرتنا حقاً واجباً ورحماً قريبة، ائذنوا لإبراهيم فلما دخل وسلم " بالخلافة " أمر بالجلوس في صدر المجلس فقال له عبد الملك: أن أبا محمد ذكرنا ما لم نزل نعرفك به في الأبوة والشرف، فلا تدع حاجة من خاص أمرك وعامه إلا سألتها. فقال إبراهيم: أما الحوائج التي يبتغى بها الزلفى ويرجى بها الثواب، فما كان لله خالصاً ولنبيه صلى الله عليه وسلم، ولك وللمسلمين عندي نصيحة لا أجد بداً من ذكري إياها. قال: أهي دون أبي محمد؟ قال: نعم قال: قم يا حجاج فنهض الحجاج خجلاً لا يبصر أين يطأ ثم قال: قل يا ابن طلحة فقال: تالله يا أمير المؤمنين إنك عهدت إلى الحجاج في ظلمه وتغطرسه وتعديه، وبعده عن الحق وإصغائه إلى الباطل، فوليته الحرمين وفيهما من فيهما من أبناء المهاجرين والأنصار وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسومهم الخسف ويطؤهم بالعسف بطغام أهل الشام ورعاع لا روية لهم في إقامة حق ولا في إزاحة باطل فاعزله. قال: فأطرق عبد الملك ساعة ثم رفع رأسه، فقال كذبت ومنت يا ابن طلحة، ولقد ظن بك الحجاج غير ما هو فيك، قم، فربما ظن الخير بغير أهله. قال إبراهيم: فقمت ووالله ما أبصر طريقاً واتبعني حرسياً وقال له: أشدد يدك به، قال إبراهيم: فما زلت جالساً، ودعي الحجاج فما زالا يتناجيان طويلاً حتى ساء ظني، ولم أشك أنه في أمري، قال: ثم دعا بي فقمت فلقيني الحجاج في الصحن خارجاً فقبل بين عيني وقال: إذا جزى الله المتواخين بفضل ودهما خيراً فليسحن جزاءك عني، والله لئن عشت لك لا رفعن ناظرك ولا وطئن عقبك قال: فقلت في نفسي أنه يهزأ بي والله الحجاج، ودخلت على عبد الملك فأجلسي مجلسي الأول ثم قال: يا ابن طلحة هل شركك في نصيحتك أحد؟ فقلت لا والله يا أمير المؤمنين، ولا أردت إلا الله ورسوله والمسلمين وأنت، قال قد علمت ذلك، وقد عزلن الحجاج عن الحرمين عندما كرهته، وأعلمته انك استقللت له ذلك " وسألتني له ولاية كبيرة ولقد " وليته العراقين، وأعلمته انك استدعيت ذلك له استزادة، ليلزمه من زمامك ما يؤدي به عني إليك أجر نصيحتك، فاخرج معه فإنك غير ذام صحبته، فخرجت معه ونالني منه كل خير.