عن ابن عمر قال: رأى إسحاق بن إبراهيم " الظاهري في منامه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: أطلق القائل، فاستيقظ مرتاعاً، ودعا بشمعة وأحضر الكتب الواردة من أصحاب الحبوس، فلم ير فيها ذكر قاتل، فأمر بإحضار السندي وعباس وسألا لهما عن الخبر فقال له عباس: نعم قد كتبنا بخير قائل، فأعاد النظر فيها، فوجد الكتاب في أضعاف القراطيس، وإذا رجل قد شهد عليه بالقتل وأقر به فأمر بإحضاره. فلما مثل بين يديه ورأى ما به من الارتياع قال له: إن صدقتني اطلقتك فانبرى يخبره. فذكر أنه كان هو وعدة معه يرتكبون كل عظيمة، ويستحلون كل محرم، وكان اجتماعهم بمدينة أبى جعفر يعتكفون على كل بلية. فلما كان في بعض الأيام جاءتهم عجوز كانت تختلف إليهم للفساد، ومعها جارية بارعة الجمال، قال: فلما توسطت الجارية الدار ورأتنا صرخت صرخة ثم غمي عليها، فلما أفاقت قالت: الله الله في، فإن هذه العجوز قد خدعتني وأعلمتني أن في جيرانها قوماً لهم حق لم ير مثله، وشوقتني إلى النظر فيه، فخرجت معها واثقة بقولها، فهجمت بي عليكم، وجدي رسول الله وأمي فاطمة وأبي الحسين بن علي فاحفظوهم في، فكأنها والله إنما أغرتهم بنفسها. فقمت دونها ومنعت منها، وقاتلت من أرادها فنالني جراحات، فعمدت إلى أشدهم " كان في أمرها كلبهم " فقتلته وتخلصت الجارية منه آمنة وأخرجتها سالمة، فسمعتها تقول مخاطبة لي: يسترك الله كما سترتني، وكان لك كما كنت لي، وسمع الجيران ضجة فدخلوا إلينا، والسكين في يدي، والرجل يتشحط في دمه، فرفعت على تلك الحالة فقال إسحاق: قد عرفت لك ما كان منك ووهبتك لله ولرسوله. قال الرجل: فوحق من وهبتني له لا عدت إلى معصية أبداً.
[حكاية]
قال أبو الفرج الأصفهاني يرفعه إلى علي بن عمر قال: حدثني مسلم ابن الوليد المعروف بصريع الغواني قال: كنت جالساً يوماً في دكان خياط بازاء منزلي، إذ رأيت طارقاً ببابي، فقمت إليه فإذا هو صديق لي من أهل الكوفة قد قدم من قم فسررت به، وكان إنساناً لطم وجهي لأنه لم يكن عندي درهم واحد أنفقه عليه، فقمت فسلمت عليه وأدخلته منزلي وأخذت خفين كانا لي أتجمل بهما فدفعتهما إلى جاريتي وكتبت معها رقعة إلى بعض معارفي في السوق أسأله أن يبيع الخفين ويشتري لي لحماً وخبزاً بشيء سميته له، فمضت الجارية وعادت إلي وقد اشترى كل ما حددته له وقد باع الخف بتسعة دراهم، فكأنها إنما جاءتني بخفين جديدين، فقعدت أنا وضيفي نطبخ، وسألت جاراً لي أن يسقينا قارورة نبيذ. فوجه بها إلي، وأمرت الجارية أن تغلق الباب مخافة طارق يجيء فيشركنا فيما نحن فيه، ورجاء أن يبقى لي وله ما نأكله إلى أن ينصرف. فانا لجالسنا نطبخ حتى طرق الباب فقلت للجارية: أنظري من هذا، فنظرت من شق الباب فإذا هو رجل عليه سواد وشاشية ومنطقة ومعه شاكري، فخبرتني بموضعه فأنكرت أمري، ثم رجعت إلى نفسي وقلت: لست بصاحب دعارة، ولا للسلطان علي سبيل، ففتحت الباب وخرجت إليه فنزل عن دابته وقال: أأنت مسلم بن الوليد؟ قلت: نعم، قال: كيف لي بمعرفتك؟ قلت الذي دلك على منزلي يصحح لك معرفتي، فقال لغلامه: امض إلى الخياط فسله عنه، فمضى فسأله عني فقال: نعم هو مسلم بن الوليد، فأخرج إلي كتاباً من خفه وقال: هذا كتاب الأمير يزيد بن مزيد إلي يأمرني ألا لأفضه إلا عند لقائك، وفضه فإذا فيه: إذا لقيت مسلم بن الوليد فادفع إليه هذه العشرة آلاف درهم التي أنفذتها، تكون له في منزله، وادفع إليه ثلاثة آلاف درهم لنفقته ليتحمل بها إلينا فأخذت الثلاثة والعشرة ودخلت إلى منزلي، والرجل معي، فأكلنا ذلك الطعام، وازددت فيه وفي الشراب، واشتريت فاكهة واتسعت، ووهبت لضيفي من الدراهم ما يهدي به هدية لعياله، وأخذت في الجهاز ثم ما زلت معه حتى صرنا إلى الرقة إلى باب يزيد بن مزيد فدخل الرجل فإذا هو أحد حجابه، فوجده في الحمام، فخرج إلي فجلس معي قليلاً، ثم خبرني الحاجب بأنه خرج من الحمام فأدخلني فإذا هو على كرسي جالس، وعلى رأسه وصيفة بيدها غلاف مرآة، وبيده هو مرآة ومشط يسرح به لحيته، فقال لي: يا مسلم ما الذي أبطأ بك عنا؟ فقلت: أيها الأمير قلة ذات اليد، قال: فأنشدني فأنشدته قصيدتي التي جئته بها:
أجررت حبل خليع في الصبا غزل ... وقصرت همم العذال عن عذلي