قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَدِمَ لِهِلالِ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ، فَإِنَّهُ يُتِمُّ الصَّلاةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى مِنًى فَيَقْصُرُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ إِقَامَةَ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِ لَيَالٍ.
وَأَمَّا أَحْمَدُ، فَلَمْ يَحُدَّهُ بِالأَيَّامِ، وَلَكِنْ بِعَدَدِ الصَّلَوَاتِ، فَقَالَ: إِذَا جَمَعَ الْمُسَافِرُ لإِحْدَى وَعِشْرِينَ صَلاةً مَكْتُوبَةً قَصَرَ، فَإِذَا عَزَمَ عَلَى أَنْ يُقِيمَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَتَمَّ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مَكَّةَ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَقَامَ الرَّابِعَ وَالْخَامِسَ وَالسَّادِسَ وَالسَّابِعَ، وَصَلَّى الْفَجْرَ بِالأَبْطَحِ يَوْمَ الثَّامِنِ، فَكَانَتْ صَلاتُهُ فِيهَا إِحْدَى وَعِشْرِينَ صَلاةً.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: وَهَذَا الْتَحْدِيدُ يَرْجِعُ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، إِلا أَنَّهُ رَأَى تَحْدِيدَهُ بِالصَّلَوَاتِ أَحْوَطَ.
هَذَا إِذَا أَجْمَعَ الإِقَامَةَ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُجْمِعِ الإِقَامَةَ، فَزَادَ مُكْثُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى الْخُرُوجِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَتَمَّ، إِلا أَنْ يَكُونَ فِي خَوْفٍ، أَوْ حَرْبٍ، فَيَقْصُرُ، قَصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ لِحَرْبِ هَوَازِنَ سَبْعَ عَشْرَةَ، أَوْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ.
فَاعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ فِي ثَمَانِيَ عَشْرَةَ عَلَى رِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي إِقَامَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ لِسَلامَتِهَا مِنَ الاخْتِلافِ، وَكَثْرَةِ الاخْتِلافِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ لَهُ الْقَصْرَ أَبَدًا مَا لَمْ يُجْمِعْ إِقَامَةً، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute