يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [الْبَقَرَة: ٢٧٣]، فَذَلِكَ الْفَقِيرُ.
فَفِي الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَأَنْ يُتَحَرَّى وَضْعُهَا فِي أَهْلِ التَّعَفُّفِ دُونَ الْمُلْحِفِ الْمُلِحِّ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمًا فِي الصَّدَقَاتِ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِمَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمِسْكِينُ الطَّوَّافُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالزُّهْرِيُّ: الْمِسْكِينُ الَّذِي يَسْأَلُ، وَالْفَقِيرُ: الَّذِي لَا يَسْأَلُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الْفَقِيرُ الَّذِي بِهِ زَمَانَةٌ، وَالْمِسْكِينُ: الصَّحِيحُ الْمُحْتَاجُ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْفَقِيرُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ، وَلا حِرْفَةَ تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا، زَمِنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ زَمِنٍ، وَالْمِسْكِينُ: مَنْ لَهُ مَالٌ أَوْ حِرْفَةٌ وَلا تُغْنِيهِ، سَائِلا كَانَ أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ، فَالْمِسْكِينُ عِنْدَهُ أَحْسَنُ حَالا مِنَ الْفَقِيرِ، لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الْكَهْف: ٧٩]، أَثْبَتَ لَهُمُ الْمُلْكَ مَعَ اسْمِ الْمَسْكَنَةِ.
وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ الْفَقِيرَ أَحْسَنُ حَالا مِنَ الْمِسْكِينِ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْفَقِيرُ الَّذِي لَا يَجِدُ الْقُوتَ، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ، وَقِيلَ: الْفَقِيرُ: الْمُحْتَاجُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} [فاطر: ١٥]، أَيِ: الْمُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَالْمِسْكِينُ: الَّذِي أَذَلَّهُ الْفَقْرُ وَأَسْكَنَهُ، أَيْ: قَلَّلَ حَرَكَتَهُ، مِفْعِيلُ مِنَ السُّكُونِ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الْكَهْف: ٧٩]، سُمُّوا مَسَاكِينُ لِذُلِّهِمْ وَقُدْرَةُ الْمُلْكِ عَلَيْهِمْ، وَضَعْفِهِمْ عَنِ الانْتِصَارِ مِنْهُ.
وَيَقَعُ اسْمُ الْمِسْكِينِ عَلَى كُلِّ مَنْ أَذَلَّهُ شَيْءٌ غَيْرَ أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمَنْ لَمْ تَكُنْ مَسْكَنَتُهُ مِنْ جِهَةِ الْفَقْرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute