وَيُقَالُ: إِنَّمَا قِيلَ لَهُ أُمِّيٌّ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى الْحَالِ الَّذِي وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، لَمْ يَتَعَلَّمْ قِرَاءَةً وَلا كِتَابَةً.
وَقَوْلُهُ: «يَعْنِي تِسْعًا وَعِشْرِينَ»، لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّ كُلَّ شَهْرٍ تَسْعَةٌ وَعِشْرُونَ، بَلْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ فِي الْعُرْفِ ثَلاثِينَ، حَتَّى لَوْ نَذَرَ رَجُلٌ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا بِعَيْنِهِ، فَصَامَهُ، فَخَرَجَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَا يُلْزِمُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ بَارًّا فِي نَذْرِهِ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ لَا بِعَيْنِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ ثَلاثِينَ يَوْمًا.
وَقَوْلُهُ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ»، أَيْ: خُفِيَ عَلَيْكُمْ، مِنْ قَوْلِكَ: غَمَمْتُ الشَّيْءَ: إِذَا غَطَّيْتُهُ، فَهُوَ مَغْمُومٌ.
وَقَوْلُهُ: «فَاقْدُرُوا لَهُ»، مَعْنَاهُ: التَّقْدِيرُ لَهُ بِإِكْمَالِ الْعَدَدِ ثَلاثِينَ، يُقَالُ: قَدَرْتُ الشَّيْءَ أَقْدُرُهُ، وَأَقْدُرُهُ قَدْرًا بِمَعْنَى: قَدَّرْتُهُ: تَقْدِيرًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} [المرسلات: ٢٣].
وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ التَّقْدِيرُ بِحِسَابِ سَيْرِ الْقَمَرِ فِي الْمَنَازِلِ، أَيْ: قَدِّرُوا لَهُ مَنَازِلَ الْقَمَرِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّكُمْ عَلَى أَنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَوْ ثَلاثُونَ.
قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: هَذَا خِطَابٌ لِمَنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِهَذَا الْعِلْمِ.
وَقَوْلُهُ: «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ»، خِطَابٌ لِلْعَامَّةِ الَّتِي لَمْ تُعْنَ بِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا ذَكَرْنَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute