وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فِي السَّفَرِ، جَازَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، فَلَوْ لَمْ يُفْطِرْ حَتَّى دَخَلَ بَلَدَ إِقَامَتِهِ، لَزِمَهُ إِتْمَامُ الصَّوْمِ، وَلَوْ أَصْبَحَ فِي السَّفَرِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْبَلَدَ فِي أَوَّلِ يَوْمِهِ، كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَدْخُلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَدْخُلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَهُ أَنْ يُفْطِرَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْبَلَدَ.
وَلا فَرْقَ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ بِعُذْرِ السَّفَرِ بَيْنَ مَنْ يُنْشِئُ السَّفَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَبَيْنَ مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَهُوَ مُسَافِرٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ إِذَا أَنْشَأَ السَّفَرُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [الْبَقَرَة: ١٨٥]، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى هَذَا الْقَائِلِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: شَهِدَ الشَّهْرَ كُلَّهُ، فَأَمَّا مَنْ شَهِدَ بَعْضَهُ، فَلَمْ يَشْهَدِ الشَّهْرَ.
أَمَّا الْمُقِيمُ إِذَا أَصْبَحَ صَائِمًا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى السَّفَرِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَمَكْحُولٍ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ، وَرُوِيَ فِيهِ عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ، وَشَبَّهُوهُ بِمَنْ أَصْبَحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute