قَوْلُهُ: «بَرَأَ الدَّبَرُ»، أَرَادَ: بَرَأَ الدَّبَرُ مِنْ ظُهُورِ الإِبِلِ إِذَا انْصَرَفَتْ عَنِ الْحَجِّ دَبِرَةً ظُهُورُهَا.
«وَعَفَا الْأَثَرُ»، أَيْ: ذَهَبَ أَثَرُ الدَّبَرِ، يُقَالُ: عَفَا الشَّيْءُ: إِذَا دَرَسَ وَامَّحَى، وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ فَسْخُ الْحَجِّ.
وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِالْجِمَاعِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيهِ مَعَ الْفَسَادِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَهَلَّ بِحجتين، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُلْزِمُهُ إِلا حَجَّةً وَاحِدَةً، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَلا دَمَ عَلَيْهِ وَلا قَضَاءَ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ بِهِمَا فَيَرْفُضُ إِحْدَاهُمَا إِلَى قَابِلٍ، وَيَمْضِي فِي الْأُخْرَى، وَعَلَيْهِ دَمٍ.
قُلْنَا: لَوْ لَزِمْتَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَفْضُ إِحْدَاهُمَا، لأَنَّ فَسْخَ الإِحْرَامِ كَانَ خَاصًّا لأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يُلْزِمُهُ حَجَّةً وَعُمْرَةً مِنْ عَامِهِ، وَيُهْرِيقُ دَمًا، وَيَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: يَصِيرُ قَارِنًا، وَعَلَيْهِ دَمٌ.
١٨٨٥ - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا شَأْنُ النَّاسِ، حَلُّوا وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ فَقَالَ: «إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، وَلا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ».
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute