ثُمَّ الْمُحْصَرُ إِنْ كَانَ حَجُّهُ حَجُّ فَرْضٍ قَدِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ الْفَرْضُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ هَذِهِ أَوَّلَ سَنَةِ الْوُجُوبِ، أَوْ كَانَ حَجُّهُ تَطَوُّعًا، فَهَلْ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ؟ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَزَادَ النَّخَعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، فَقَالُوا: إِذَا أُحْصِرَ عَنِ الْحَجِّ فَتَحَلَّلَ، فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُبْدِلُوا الْهَدْيَ الَّذِي نَحَرُوا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَيَحْتَجُّ بِهَذَا مِنْ يُوجِبُ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُحْصَرِ، وَمَنْ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ دَمَ الإِحْصَارِ لَا يُذْبَحُ إِلا فِي الْحَرَمِ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِبْدَالِ الْهَدْيِ، لِأَنَّهُمْ نَحَرُوا هَدَايَاهُمْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ خَارِجَ الْحَرَمِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [الْمَائِدَة: ٩٥].
فَلَمْ تَقَعْ تِلْكَ الْهَدَايَا مَحْسُوبَةٌ، فَلَزَمَهُمُ الإِبْدَالُ.
وَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ، وَهُوَ كَالْمُحْصَرِ، وَالْهَدْيُ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا عَتَقَ، أَتَى بِهِ، وَمَنْ جَعَلَ لِلْهَدْيِ بَدَلا، فَإِنْ صَامَ فِي حَالِ رِقِّهِ، جَازَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُحَلِّلَهُ، وَإِنْ أَحْرَمَ لِلْهَدْيِ بَدَلا.
أَمَّا الْحَاجُّ إِذَا أُحْصِرَ عَنِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ، وَهَلْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؟ لِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلانِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute