للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْكِرَ الْمُتَّخَذَ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ، خَمْرٌ.

وَفِي سُكُوتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِرَاقَتِهِمُ الْخَمْرَ وَتَرْكِ الإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى تَطْهِيرِهَا بِالْمُعَالَجَةِ، إِذْ لَوْ كَانَ إِلَى تَطْهِيرِهَا سَبِيلٌ لأَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ، كَمَا أَرْشَدَهُمْ إِلَى دِبَاغِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ.

وَقَدْ صَحَّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُتَّخَذُ الْخَمْرُ خَلا؟ قَالَ: «لَا».

وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا؟ قَالَ: «أَهْرِقْهَا» قَالَ: أَفَلا أَجْعَلُهَا خَلا؟ قَالَ: «لَا».

وَلَوْ كَانَتْ تُطَهَّرُ بِالْمُعَالَجَةِ، لَكَانَ لَا يَأْمُرُ بِإِرَاقَتِهَا مَعَ وُجُوبِ مُرَاعَاةِ حَقِّ الْيَتِيمِ فِي مَالِهِ، وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَكَرِهَهُ سُفْيَانُ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ.

وَكَرِهَ قَوْمٌ إِمْسَاكَهَا بَعْدَ مَا عَرَفَهَا خَمْرًا إِلَى أَنْ تَصِيرَ خَلا، وَحُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ مُسْلِمٍ خَمْرٌ.

قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ لِمُسْلِمٍ وَرِثَ خَمْرًا أَنْ يَحْبِسَهَا يُخَلِّلُهَا، لَكِنْ إِنْ صَارَتْ خَلا لَمْ أَرَ بِأَكْلِهِ بَأْسًا.

وَقِيلَ لابْنِ الْمُبَارَكِ: كَيْفَ يُتَّخَذُ الْخَلُّ بِأَنْ لَا يَأْثَمَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: انْظُرْ خَلا ثَقِيفًا، فَصُبَّ عَلَى الْعَصِيرِ قَدْرَ مَا لَا يَغْلِبُهُ الْعَصِيرُ، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْهُ الْعَصِيرُ لَمْ يَغْلِ.

وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ، وَقَالَ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ خَمْرٌ، وَلَكِنْ يُصَبُّ عَلَى الْعَصِيرِ مِنَ الْخَلِّ حَتَّى يَتَغَيَّرَ.

وَرَخَّصَ فِي تَحْلِيلِ الْخَمْرِ وَمُعَالَجَتِهَا: عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>