قَالَ الإِمَامُ: وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُبَدِّلَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ، وَيَأْخُذَ فَضْلا، فَلا يَجُوزُ حَتَّى يَبِيعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، وَيَقْبِضُ مَا اشْتَرَاهُ، ثُمَّ يَبِيعُهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا دُفِعَ إِلَيْهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَلا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ إِلَى أَجَلٍ، وَيَشْتَرِيَهَا مِنَ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ بِنَقْدٍ وَعَرْضٍ إِلَى أَجَلٍ.
وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ لَوِ اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ، أَوْ بِأَطْوَلَ مِنْ أَجَلِهِ لَا يَجُوزُ، وَكَرِهَ هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ.
وَيُسَمَّى هَذَا عِينَةُ مِنَ الْعَيْنِ، وَالْعَيْنُ: الْمَالُ الْحَاضِرُ، فَالْمُشْتَرِي يَشْتَرِي السِّلْعَةَ لِيَبِيعَهَا بِمَالٍ حَاضِرٍ يَصِلُ إِلَيْهِ مِنْ فَوْرِهِ.
وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ بِأَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ عَائِشَةَ، فَسَأَلَتْهَا عَنْ عَبْدٍ بَاعَتْهُ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بَثَمَانِ مِائَةٍ نَسِيئَةً إِلَى الْعَطَاءِ، ثُمَّ اشْتَرَتْهُ مِنْهُ بِسِتِّ مِائَةٍ نَقْدًا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: بِئْسَ مَا اشْتَرَيْتِ، وَبِئْسَ مَا ابْتَعْتِ، أَخْبِرِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا أَنْ يَتُوبَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا، فَقَدْ تَكُونُ عَائِشَةُ عَابَتِ الْبَيْعَ إِلَى الْعَطَاءِ، لأَنَّهُ أَجَلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ، ثُمَّ قَالَ: وَزَيْدٌ صَحَابِيٌّ، وَإِذَا اخْتَلَفُوا، فَمَذْهَبُنَا الْقِيَاسُ، وَهُوَ مَعَ زَيْدٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ يَبِيعُ الْجَارِيَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ إِلَى أَبْعَدِ مِنْ ذَلِكَ الأَجَلِ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ، وَقَالَ: لأَنَّ سِلْعَتَهُ رَجَعَتْ إِلَيْهِ بِعَيْنِهَا، وَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ مِائَةً بِأَكْثَرَ إِلَى أَجَلٍ.
قَالَ الإِمَامُ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ جَائِزٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute