قَوْلُهُ: «وَلا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ» فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْحَضَرِيَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ لِلْبَدَوِيِّ شَيْئًا، وَلا يَشْتَرِيَ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، لأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ يَقَعُ عَلَى الْبَيْعِ وَالابْتِيَاعِ، يُقَالُ: بِعْتُ الشَّيْءَ وَشَرَيْتُهُ بِمَعْنَى اشْتَرَيْتُهُ، وَالْكَلِمَتَانِ مِنَ الأَضْدَادِ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَبِيعُ لِلْبَدَوِيِّ وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ.
وَمَعْنَى النَّهْيِ: هُوَ التَّرَبُّصُ لَهُ بِسِلْعَتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ كَانُوا يَحْمِلُونَ إِلَى الْبَلَدِ أَمْتَعِتَهُمْ، فَيَبِيعُونَهَا بِسِعْرِ الْيَوْمِ، وَيَرْجِعُونَ لِكَثْرَةِ الْمَئُونَةِ فِي الْبَلَدِ، فَيَكُونُ مِنْ بَيْعِهِمْ رِفْقٌ لأَهْلِ الْبَلَدِ وَسَعَةٌ، فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ يَأْتِي الْبَدَوِيَّ وَيَقُولُ لَهُ: ضَعْ مَتَاعَكَ عِنْدِي حَتَّى أَتَرَبَّصَ لَكَ، وَأَبِيعَهُ عَلَى مَرِّ الأَيَّامِ بِأَغْلَى، وَارْجِعْ أَنْتَ إِلَى بَادِيَتِكَ.
فَيَفُوتُ بِفِعْلِهِ رِفْقُ أَهْلِ الْبَلَدِ، فَنَهَى الشَّرْعُ عَنْ ذَلِكَ.
فَمَنْ فَعَلَهُ وَهُوَ بِالنَّهْيِ عَالِمٌ يَعْصِي، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلا يَعْصِي، فَإِنْ كَانَ لَا يَدْخُلُ بِهِ ضيقٌ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ لِرُخْصِ الأَسْعَارِ، أَوْ قِلَّةِ ذَلِكَ الْمَتَاعِ، وَسَعَةِ الْبَلَدِ، فَهَلْ يَحْرُمُ أَنْ يَبِيعَ لَهُ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، مِنْهُمْ مَنْ حَرَّمَهُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاحَهُ لِعَدَمِ الضَّرَرِ.
وَإِذَا الْتَمَسَ الْبَدَوِيُّ مِنْهُ أَنْ يَتَرَبَّصَ لَهُ، فَقَدْ قِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ، وَلا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ.
٢٠٩٩ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَدَعُوا النَّاسَ يَرْزُقِ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ».
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute