أَجَّرَهَا فَأَخَذَ غَلَّتَهَا، أَوْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا، أَوْ أَكْرَاهَا، فَأَخَذَ الْكِرَاءَ، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَدِيمًا، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى بَائِعَهَا، وَتَكُونُ الْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي، لأَنَّ الْمَبِيعَ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، فَقَولُهُ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» أَيْ: مِلْكُ الْخَرَاجِ بِضَمَانِ الأَصْلِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا يَحْدُثُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ نِتَاجِ الدَّابَّةِ، وَوَلَدِ الأَمَةِ، وَلَبَنِ الْمَاشِيَةِ وَصُوفِهَا، وَثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ الْمُشْتَرَاةِ: إِنَّ الْكُلَّ يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي، وَلَهُ رَدُّ الأَصْلِ بِالْعَيْبِ.
وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، إِلَى أَنَّ حُدُوثَ الْوَلَدِ، وَالثَّمَرَةِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ رَدَّ الأَصْلِ بِالْعَيْبِ، بَلْ يَرْجِعُ بِالأَرْشِ، فَإِنْ هَلَكَ الْحَادِثُ، فَلَهُ رَدُّ الأَصْلِ بِالْعَيْبِ، فَأَمَّا الْغَلَّةُ، فَقَالُوا: لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ، غَيْرَ أَنَّهُ إِنْ رَدَّ قَبْلَ الْقَبْضِ يَرُدَّ مَعَهُ الْغَلَّةَ، وَإِنْ رَدَّ بَعْدَهُ، فَيَبْقَى لَهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يَرُدُّ الْوَلَدَ مَعَ الأَصْلِ، وَلا يَرُدُّ الصُّوفَ، وَلَوِ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِالشُّبْهَةِ، أَوْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا، فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، رَدَّهَا وَالْمَهْرُ لِلْمُشْتَرِي، وَلا شَيْءَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ هُوَ الْواطِئُ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَافْتُضَّتْ، فَلا رَدَّ لَهُ، لأَنَّ زَوَالَ الْبَكَارَةِ نَقْصٌ حَدَثَ فِي يَدِهِ، بَلْ يَسْتَرِدُّ مِنَ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ الْعَيْبُ مِنْ قِيمَتِهَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: وَطْءُ الثَّيِّبِ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا، وَرَوَى ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مَخْلَدِ بْنِ خُفَافٍ، أَنَّهُ قَالَ: ابْتَعْتُ غُلامًا فَاسْتَغْلَلْتُهُ، ثُمَّ ظَهَرْتُ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ، فَخَاصَمْتُ فِيهِ إِلَى عُمَرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَضَى لِي بِرَدِّهِ، وَقَضَى عَلَيَّ بِرَدِّ غَلَّتِهِ، فَأَتَيْتُ عُرْوَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: أَرُوحُ إِلَيْهِ الْعَشِيَّةَ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي مِثْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute