عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِئٍ، فَلْيَتْبَعْ».
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى.
كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.
قَوْلُهُ: «أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ» بِالتَّخْفِيفِ مَعْنَاهُ: أُحِيلَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ، «فَلْيَتْبَعْ» أَيْ: فَلْيَحْتَلْ، يُقَالُ: أَتْبَعْتُ غَرِيمِي عَلَى فُلانٍ فَتَبِعَهُ، أَيْ: أَحَلْتُهُ فَاحْتَالَ، وَتَبِعْتُ الرَّجُلَ بِحَقِّي أُتْبِعُهُ تِبَاعَةً، إِذَا طَالَبْتُهُ بِهِ، وَأَنَا تَبِيعُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} [الْإِسْرَاء: ٦٩] أَيْ: تَابِعًا مُطَالِبًا بِالثَّأْرِ.
وَقَوْلُهُ: «فَلْيَتْبَعْ» لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْوُجُوبِ، بَلْ عَلَى طَرِيقِ الإِبَاحَةِ إِنِ اخْتَارَ، قَبِلَ الْحِوَالَةَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ، وَزَعَمَ دَاوُدُ أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ إِذَا أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ، يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَ، فَإِنْ أَبَى يُكْرَهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا قَبِلَ الْحِوَالَةَ، تَحَوَّلَ الدَّيْنُ مِنَ الْمَحِيلِ إِلَى ذِمَّةِ الْمُحَالُ عَلَيْهِ، وَلا رُجُوعَ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمَحِيلِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً، اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ بِحَالٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِلا أَنْ يَرَاهُ الْمُحْتَالُ حَالَةَ قَبُولِ الْحِوَالَةِ مَلِيئًا، فَبَانَ مُعْسِرًا، رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ، وَاحْتَجَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute