وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ، إِلا أَنْ يَتَعَدَّى فِيهَا، فَيَضْمَنُ بالتَّعَدِّي، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَالْحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ ظَهَرَ هَلاكُهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ خَفِيَ هَلاكُهُ ضَمِنَ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَأْجَرَ عَيْنًا لِلانْتِفَاعِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ إِلا أَنْ يَتَعَدَّى فَيَضْمَنَ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث صَفْوَانَ: «بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ» لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ، لأَنَّ مَا يَكُونُ أَمَانَةً لَا يَصِيرُ بِالشَّرْطِ مَضْمُونًا كَالْوَدَائِعِ، وَلَكِنْ كَانَ صَفْوَانُ جَاهِلا بِحُكْمِ الإِسْلامِ، فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ حُكْمَ الإِسْلامِ ضَمَانُ الْعَارِيَةِ.
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ: «العَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ» دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ أَدَاءِ عَيْنِهَا عِنْدَ قِيَامِهَا، وَأَدَاءِ قِيمَتِهَا عِنْدَ هَلاكِهَا.
وَقَوْلُهُ: «الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ» فَالْمِنْحَةُ: مَا يَمْنَحُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ مِنْ أَرْضٍ يَزْرَعُهَا مُدَّةً، أَوْ شَاةٍ يَشْرَبُ دَرَّهَا، أَوْ شَجَرَةٍ يَأْكُلُ ثَمَرَهَا، ثُمَّ يَرُدُّهَا فَتَكُونُ مَنْفَعَتُهَا لَهُ، وَالأَصْلُ فِي حُكْمِ الْعَارِيَةِ، عَلَيْهِ رَدُّهَا.
وَأَجْزَاءُ الْعَارِيَةِ إِذَا تَلِفَتْ بِالاسْتِعْمَالِ لَا يَجِبُ ضَمَانُهَا، لأَنُّه مَأْذُونٌ فِي إِتْلافِهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُؤْنَةِ رَدِّ الْعَارِيَةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَقَوْلُهُ: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» فَالزَّعِيمُ: الْكَفِيلُ، فَكُلُّ مَنْ تَكَفَلَّ دَيْنًا عَنِ الْغَيْرِ، عَلَيْهِ الْغُرْمُ.
وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عَلى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حتَّى تُؤَدِّي» ثُمَّ إِنَّ الْحَسَنَ نَسِيَ، قَالَ: هُوَ أَمِينُكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute