قَوْلُهُ: «أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا» أَيْ: يَعْمَلُوا فِي النَّخْلِ مِنْهَا، وَيَزْرَعُوا بَيَاضَ أَرْضِهَا، وَلِذَلِكَ سَمُّوا الْمُسَاقَاةَ مُعَامَلَةً.
قَالَ الإِمَامُ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ، وَهِيَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ نَخِيلَهُ أَوْ كَرْمَهُ إِلَى رَجُلٍ لِيَعْمَلَ فِيهَا بِمَا فِيهِ صَلاحُهَا وَصَلاحُ ثَمَرِهَا، عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ جُزْءٌ مَعْلُومٌ مِنَ الثَّمَرِ، نِصْفٌ أَوْ ثُلُثٌ أَوْ رُبُعٌ عَلَى مَا يَتَشَارَطَانِ، وَعَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ أَبْطَلَ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ، وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالا بِقَوْلِ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا تَصِحُّ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ مِنَ الأَشْجَارِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ إِلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلا فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ، لأَنَّ ثَمَرَهُمَا ظَاهِرٌ يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ، فَيُمْكِنُ خَرْصُهُ، وَعَلَّقَ الْقَوْلَ فِي غَيْرِهِمَا مِنَ الثِّمَارِ كَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَالتُّفَّاحِ، لِتَعَذُّرِ خَرْصِهَا بِتَفَرُّقِ ثِمَارِهَا فِي تَضَاعِيفِ الأَوْرَاقِ.
وَجَوَّزَ مَالِكٌ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ فِي جَمِيعِهَا، وَجَوَّزَ مَالِكٌ فِي الْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ، وَجَوَّزَ أَبُو ثَوْرٍ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَالرّطابِ وَالْبَاذِنْجَانِ، وَمَالَهُ ثَمَرَةٌ قَائِمَةٌ إِذَا دَفَعَ أَرْضًا وَذَلِكَ فِيهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute