قَالَ الإِمَامُ: وَمن عاداتهم فِي الْإِمَاء أَنهم كَانُوا يقتنون الولائد، ويضربون عَلَيْهِم الضرائب، فيكتسبنَ بِالْفُجُورِ، وهنَّ البغايا اللَّاتِي ذكرهن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْله: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [النُّور: ٣٣]، وَكَانَت سادتهم يُلمون بهنَّ، وَلَا يجتنبونهن، وَكَانَ من سيرتهم إلحاقُ الْوَلَد بالزنى، فَإِذا جَاءَت الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ بِولد، وَكَانَ سيِّدها يَطَؤُهَا، وَقد وَطئهَا غَيره بالزنى، فَرُبمَا ادَّعاه الزَّانِي وادَّعاه السَّيد، فدعوا لَهُ الْقَافة، فَحكم رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَلَدِ لسَيِّدهَا لإِقْرَاره بِوَطْئِهَا، ومصيرها فراشا لَهُ بِالْوَطْءِ، وأبطل مَا كَانَ عَلَيْهِ أهلُ الْجَاهِلِيَّة من إِثْبَات النّسَب بالزنى، كَمَا رُوي عَنْ سَعِيد بْن جُبير، عَنِ ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا مُسَاعَاة فِي الإِسلام مَنْ سَاعَى فِي الجَاهِلِيَّة، فَقَدْ لَحِقَ بِعَصَبته، ومَن ادَّعى ولدا مِنْ غير رِشْدَةٍ، فَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ».
وَالْمرَاد بالمساعاة: الزِّنَى، وَكَانَ الْأَصْمَعِي يَجْعَل المساعاة فِي الْإِمَاء دون الْحَرَائِر، لِأَنَّهُنَّ يسعين لمواليهن، فيكتسبن لَهُم بضرائب كَانَت عَلَيْهِنَّ، فَأبْطل النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المساعاة فِي الْإِسْلَام، وَلم يُلحق بهَا النّسَب، وَعَفا عَمَّا كَانَ مِنْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة، وَأثبت بِهِ النّسَب، وَفِي هَذَا كَانَت منازعةُ عبد بْن زَمعَة، وَسَعْد بْن أَبِي وَقاص، كَانَت لزمعة أمةٌ يُلمُّ بهَا، وَكَانَت لَهُ عَلَيْهَا ضريبة، وَكَانَ قد أَصَابَهَا عتبةُ بْن أَبِي وَقاص، وَظهر بهَا حمل، وَهلك عتبَة كَافِرًا، فعهد إِلَى أَخِيه سَعْد أَن يستلحق ولد أمة زَمعَة، وادَّعى عبد بْن زَمعَة أَنَّهُ أخي ولد على فرَاش أَبِي، فَقَضَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْد بْن زمْعَةَ بِمَا يَدَّعيه، وأبْطَلَ دَعْوَةَ الجَاهليَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute