للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَتَحْذِيرُ التَّهَاوُنِ بِهِ بَعْدَ إِيجَابِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الزَّجْرَ عَنْهُ حَتَّى لَا يُفْعَلَ، لَكَانَ فِي ذَلِكَ إِبْطَالُ حُكْمِهِ، وَإِسْقَاطُ لُزِومِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذْ صَارَ مَعْصِيَةً، وَإِنَّمَا وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَا يَجْلِبُ لَهُمْ فِي الْعَاجِلِ نَفْعًا، وَلا يَصْرِفُ عَنْهُمْ ضَرًّا، وَلا يَرُدُّ شَيْئًا قَضَاهُ اللَّهُ.

يَقُولُ: فَلا تَنْذِرُوا عَلَى أَنَّكُمْ تُدْرِكُونَ بِالنَّذْرِ شَيْئًا لَمْ يُقَدِّرْهُ اللَّهُ لَكُمْ، أَوْ تَصْرِفُونَ عَنْ أَنْفُسِكُمْ شَيْئًا جَرَى الْقَضَاءُ بِهِ عَلَيْكُمْ، وَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَاخْرُجُوا عَنْه بِالْوَفَاءِ، فَإِنَّ الَّذِي نَذَرْتُمُوهُ لازِمٌ لَكُمْ.

هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ وَوَجْهُهُ.

وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيةً، وَيُؤَكِّدُهُ قَوْلُهُ: «وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ»، فَثَبَتَ بِذَلِكَ وُجُوبُ اسْتِخْرَاجِهِ مِنْ مَالِهِ، وَفِي قَوْلِهِ: «إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَرِّبُ مِنَ ابْنِ آدَمَ شَيْئًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ قَدَّرَهُ لَهُ» اسْتِدْلالٌ لِمَنْ قَالَ: إِنَّ النَّذْرَ إِنَّمَا يَلْزَمُ إِذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِشَيْءٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ رَقَبَةً، وَإِنْ قَدِمَ غَائِبِي، أَوْ سَلِمَ مَالِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا، وَإِلَيْهِ يَذْهَبُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ حَتَّى قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: النَّذْرُ وَعْدٌ عَلَى شَرْطٍ، فَكُلُّ نَاذِرٍ وَاعِدٌ، وَلَيْسَ كُلُّ وَاعِدِ نَاذِرًا.

وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ النَّذْرَ يَلْزَمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا بِشَيْءٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.

وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَلَمْ يَقُلْ نَذْرًا، فَعَلَيْهِ الْمَشْيُ، أَفْتَى بِهِ سَعِيدُ بْنُ المسيِّبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>