بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، جَوَّزُوا الْقَضَاءَ لِلْمُدَّعِي بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ مَعَ الْيَمِينِ فِي الأَمْوَالِ، وَهُوَ قَوْلُ أَجِلَّةِ الصَّحَابَةِ، وَأَكْثَرِ التَّابِعِينَ، مِنْهُمْ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ.
وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَامِلِ الْكُوفَةِ: «أَنِ اقْضِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ»، وَبِهِ قَالَ فُقَهَاءُ الأَمْصَارِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لَا يَجُوزُ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
فَأَما إِذَا أَقَامَ المدَّعي بَيِّنَةً عَادِلَةً، فَلا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي مَعَهَا، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَهَا، كَانَ شُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، يَرَوْنَ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي، وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِذَا اسْتَرَابَ الْحَاكِمُ أَوْجَبَ ذَلِكَ.
قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالشَّهَادَاتُ مُخْتَلِفَةُ الْمَرَاتِبِ، فَالزِّنَا لَا يَثْبُتُ بِأَقَلِّ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنَ الرِّجَالِ الْعُدُولِ، لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النُّور: ٤]، وَالْعُقُوبَاتُ بِأَجْمَعِهَا لَا تَثْبُتُ بِأَقَلِّ مِنْ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ، أَمَّا غَيْرُ الْعُقُوبَاتِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَقْصُودُ الْمَالَ، وَهُوَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا، فَلا يَثْبُتُ أَيْضًا إِلا بِرَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ، وَذَلِكَ مِثْلُ النِّكَاحِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالطَّلاقِ، وَالْعِتَاقِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالْوِصَايَةِ، وَالْوِكَالَةِ، وَنَحْوِهَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ النِّسَاءُ غَالِبًا، فَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، وَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَأَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْوِلادَةِ، وَالرَّضَاعِ، وَالثّيَابةِ، وَالْبَكَارَةِ، وَالْحَيْضِ، وَنَحْوِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالَ كَالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَالرَّهْنِ، وَالإِجَازَةِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالْقَرْضِ، وَالْجِنَايَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ، وَنَحْوِهَا فَيَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ، وَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَبِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَلا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ عَلَى الانْفِرَادِ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute