الشَّهَادَاتَ لَمَّا تَعَارَضَتْ تَهَاتَرَتْ، فَصَارَ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُ، فَحَكَمَ لَهُمَا بِالشَّيْءِ نِصْفَيْنِ بِحُكْمِ الْيَدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْقِصَّةُ مُخْتَلِفَةً، وَكَانَ الْبَعِيرُ فِي يَدَيْ غَيْرِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِي إِقَامَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ، فَلَمَّا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ عَلَى دَعْوَاهُ، نُزِعَ الشَّيْءُ مِنْ يَدَيْ صَاحِبِ الْيَدِ، وَجُعِلَ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ إِذَا ادَّعَى رَجُلانِ دَارًا، أَوْ شَيْئًا فِي يَدِ ثَالِثٍ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُمَا تَسْقُطَانِ لِتَنَاقُضِهمَا، وَيُتْرَكُ الشَّيْءُ فِي يَدَيْ صَاحِبِهِ، وَهُوَ أَظْهَرُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُجْعَلُ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ نِصْفَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَحَدِ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، قَضَى لَهُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَلَهُ قَوْلُ، " أَنَّ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، يَحْلِفُ مَعَ الْقُرْعَةِ: لَقَدْ شَهِدَ شُهُودُهُ بِحَقٍّ، ثُمَّ يُقْضَى لَهُ.
وَلا فَرْقَ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَتَانِ سَوَاءً فِي الْعَدَالَةِ، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا أَشْهَرَ بِالصَّلاحِ وَالْعَدَالَةِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ، وَلا بَيْنَ أَنْ يُقِيمَ أَحَدُهُمَا شَاهِدَيْنِ، وَالآخَرُ ثَلاثًا أَوْ أَكْثَرَ.
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ لأَعْدَلِهِمَا شُهُودًا، وَأَشْهَرِهِمَا بِالصَّلاحِ.
وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: يُقْضَى بِأَكْثَرِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَدَدًا، وَحُكِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى حِصَصِ الشُّهُودِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِيمَا إِذَا ادَّعَى رَجُلانِ شَيْئًا فِي يَدِ ثَالِثٍ، وَلا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ يَحْلِف وَيَأْخُذ، وَيُرْوَى فِيهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي دَابَّةٍ، وَلَيْسَ لَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَهِمَا عَلَى الْيَمِينِ».
وَالْمُرَادُ مِنَ الاسْتِهَامِ: الاقْتِرَاعُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute