للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَوْلُهُ: «فَتَوَخَّيَا»، أَيِ: اقْصُدَا الْحَقَّ فِيمَا تَصْنَعَانِهِ مِنَ الْقِسْمَةِ، «ثُمَّ اسْتَهِمَا»، أَيِ: اقْتَرِعَا، وَقِيلَ: أَمَرَهُمَا بِالتَّوَخِّي فِي مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الْحَقِّ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ لَا يَصِحُّ إِلا فِي الشَّيْءِ الْمَعْلُومِ، ثُمَّ ضَمَّ إِلَيْهِ الْقُرْعَةَ، لأَنَّ التَّوَخِّيَ غَالِبُ الظَّنِّ، وَالْقُرْعَةُ نَوْعٌ مِنَ الْبَيِّنَةِ، فَهِيَ أَقْوَى، ثُمَّ أَمَرَ بِالتَّحْلِيلِ لِيَكُونَ افْتِرَاقُهُمَا عَنْ يَقِينِ بَرَاءَةٍ وَطِيبَةِ نَفْسٍ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ جَمَعَ هَذَا الْحَدِيثُ ذِكْرَ الْقِسْمَةِ وَالتَّحْلِيلَ، وَالْقِسْمَةُ لَا تَكُونُ إِلا فِي الأَعْيَانِ، وَالتَّحْلِيلُ لَا يَصِحُّ إِلا فِيمَا يَقَعُ فِي الذِّمَمِ دُونَ الأَعْيَانِ، فَوَجَبَ أَنْ يُصْرَفَ مَعْنَى التَّحْلِيلِ إِلَى مَا كَانَ مِنْ خَرَاجٍ وَغَلَّةٍ حَصَلَ لأَحَدِهِمَا مِنَ الْعَيْنِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا الْقِسْمَةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْحَقَّ بِخِلافِهِ، بِأَنْ وَقَفَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ بِخِلافِهِ، أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى خِلافِ مَا تَوَهَّمَهُ، فَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ».

وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: «لَا يَمْنَعَنَّكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ، ثُمَّ رَاجَعْتَ فِيهِ نَفْسَكَ، فَهُدِيتَ لِرُشْدِهِ أَنْ تَنْقُضَهُ، فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ لَا يَنْقُضُهُ شَيْءٌ، وَالرُّجُوعُ إِلَى الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ».

<<  <  ج: ص:  >  >>