للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قِيلَ: إِنَّمَا خُصَّ بَعْدَ الْعَصْرِ بِالذِّكْرِ، لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ عَظَّمَ شَأْنَ هَذَا الْوَقْتِ، فَقَالَ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [الْبَقَرَة: ٢٣٨]، فَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ الصَّلاةَ الْوُسْطَى صَلاةُ الْعَصْرِ، وَيَجْتَمِعُ فِيهَا مَلائِكَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَتُرْفَعُ فِيهَا الأَعْمَالُ الَّتِي اكْتَسَبَهَا الْعَبْدُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ.

وَمِمَّا يُؤَكِّدُ تَعْظِيمَ حُرْمَةِ هَذَا الْوَقْتِ قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [الْمَائِدَة: ١٠٦] قِيلَ: أَرَادَ بِهِ صَلاةَ الْعَصْرِ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ التَّاجِرِ أَنَّهُ إِنَّمَا يُنْفِقُ مِنْ رِبْحٍ رَبِحَهُ، أَوْ فَضْلٍ اسْتَفْضَلَهُ فِي بَيَاضِ نَهَارِهِ، وَقَدْ يَتَّفِقُ أَنْ لَا يَرْبَحَ رِبْحًا وَبَعْدَ الْعَصْرِ وَقْتُ مُنْصَرَفِهِ، فَإِذَا اتَّفَقَتْ لَهُ صَفْقَةٌ بَعْدَ الْعَصْرِ، حَرَصَ عَلَى إِمْضَائِهَا بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ، لِيُنْفِقَ مِنَ الرِّبْحِ، وَلا يَنْصَرِفَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ.

قَالَ الإِمَامُ: إِذَا تَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى رَجُلٍ فِي أَمْرٍ عَظِيمٍ خَطَرَهُ مِنْ قِصَاصٍ، أَوْ عُقُوبَةٍ، أَوْ نِكَاحٍ، أَوْ طَلاقٍ، أَوْ عِتَاقٍ، أَوْ مَالٍ بَلَغَ نِصَابًا، فَتُغَلَّظُ تِلْكَ الْيَمِينِ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، فَالْمَكَانُ أَنْ يَحْلِفَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ إِنْ كَانَ بِمَكَّةَ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهَا، فَتَحْتَ الْمِنْبَرِ فِي الْجَامِعِ، وَفِي الزَّمَانِ أَنْ يَحْلِفَ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَيُخَوَّفُ بِاللَّهِ، وَيُقْرَأُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمرَان: ٧٧] لِيَرْتَدِعَ إِنْ كَانَ فِيهَا مُبْطَلا.

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} [الْمَائِدَة: ١٠٦]، أَيْ: صَلاةِ الْعَصْرِ عَلَى تَأْكِيدِ الْيَمِينِ عَلَى الْحَالِفِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا قَوْلُ الْحُكَّامِ الْمَكِّيِّينَ وَمُفْتِيهِمْ، وَمِنْ حُجَّتِهِمْ فِيهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَأَى قَوْمًا يَحْلِفُونَ بَيْنَ الْمَقَامِ، وَالْبَيْتِ، فَقَالَ: أَعَلَى دَمٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَفَعَلَى عَظِيمٍ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>