بِكَافِرٍ» كَلامٌ تَامٌّ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، فَلا وَجْهَ لِضَمِّهِ إِلَى مَا بَعْدِهِ، وَإِبْطَالِ حُكْمِ ظَاهِرِهِ، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ صَحِيفَةِ عَلِيٍّ: «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ ذِي الْعَهْدِ، فَهُوَ عَامٌ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْكُفَّارِ أَنْ لَا يُقْتَلَ بِهِ مُؤْمِنٌ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ»، فَكَانَ الذِّمِّيُّ، وَالْمستأمن، وَالْحَرْبِيُّ فِيهِ سَوَاءٌ.
وَقَوْلُهُ: «وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ»، أَرَادَ بِهِ أَنَّ ذَا الْعَهْدِ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ ابْتِدَاءً، مَا دَامَ فِي الْعَهْدِ، وَفِي ذِكْرِ الْمُعَاهِدِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ ابْتِدَاءً فَائِدَةٌ، وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَا أَسْقَطَ الْقَوَدَ عَنِ الْمُسْلِمِ إِذَا قَتَلَ الْكَافِرَ، أَوْجَبَ ذَلِكَ تَوْهِينَ حُرْمَةِ دِمَاءِ الْكُفَّارِ، فَلَمْ يُؤْمَنْ مَنْ وُقُوعِ شُبْهَةٍ لِبَعْضِ السَّامِعِينَ فِي حُرْمَةِ دِمَائِهِمْ، وَإِقْدَامِ الْمُسْرِعِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَتْلِهِمْ، فَأَعَادَ الْقَوْلَ فِي حَظْرِ دِمَائِهِمْ دَفْعًا لِلشُّبْهَةِ، وَقَطْعًا لِتَأْوِيلِ الْمُتَأَوِّلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنُ الْبَيْلَمَانِيِّ، فَمُنْقَطِعٌ، لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْقَاتِلَ كَانَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضمرِي، وَكَانَ قَدْ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مَتْرُوكٌ، لأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ الْمَقْتُولَ الْكَافِرَ كَانَ رَسُولا، فَيَكُونُ مُسْتَأْمَنًا، وَلا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْمُسْتَأْمَنِ بِالاتِّفَاقِ، أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ: «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ»، فَصَارَ الأَوَّلُ بِهِ مَنْسُوخًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute